[سُورَةُ الْغَاشِيَةِ فِيهَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ] [قَوْله تَعَالَى فَذَكِّرْ إنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ]
ٌ] وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: ٢١] {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية: ٢٢]: فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْمُسَيْطِرُ هُوَ الْمُسَلَّطُ الَّذِي يَقْهَرُ وَيَغْلِبُ عَلَى مَا يَقُولُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ مُعَرِّفًا بِرِسَالَتِهِ، مُذَكِّرًا بِنُبُوَّتِهِ، يَدْعُو الْخَلْقَ إلَى اللَّهِ، وَيُذَكِّرُهُمْ عَهْدَهُ، وَيُبَشِّرُهُمْ وَعْدَهُ، وَيُحَذِّرُهُمْ وَعِيدَهُ، وَيُعَرِّفُهُمْ دِينَهُ، حَتَّى وَضَحَتْ الْمَحَجَّةُ، وَقَامَتْ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ الْحُجَّةُ؛ فَلَمَّا اسْتَمَرَّ الْخَلْقُ عَلَى فَسَادِ رَأْيِهِمْ، وَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ وَغُلَوَائِهِمْ، أَمَرَهُ اللَّهُ بِالْقِتَالِ، وَسَوْقِ الْخَلْقِ إلَى الْإِيمَانِ قَسْرًا، وَنَسَخَ هَذِهِ الْآيَةَ وَأَمْثَالَهَا حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا. وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: ٢١] {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية: ٢٢]»: بِمُسَلَّطٍ عَلَى سَرَائِرِهِمْ، مُفَسِّرًا مَعْنَى الْآيَةِ، وَكَاشِفًا خَفِيَّ الْخَفَاءِ عَنْهَا. الْمَعْنَى إذَا قَالَ النَّاسُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَلَسْت بِمُسَلَّطٍ عَلَى سَرَائِرِهِمْ، وَإِنَّمَا عَلَيْك بِالظَّاهِرِ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُطَالَبُ لَا بِالظَّاهِرِ وَلَا بِالْبَاطِنِ، فَلَمَّا اسْتَوْلَى اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَتَكْلِيفِهِ الْقِتَالَ عَلَى الظَّاهِرِ، وَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إلَيْهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ [صَحِيحُ السَّنَدِ]، صَحِيحُ الْمَعْنَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute