وَأَمَّا الْعَبْدُ: فَلَهُ الْأَمَانُ فِي مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أَمَانَ لَهُ، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِعُلَمَائِنَا، وَكَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَأَى أَنَّ مَنْ لَا يُسْهَمُ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ، لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، فَكَيْفَ يَسْقُطُ مَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ.
وَعُمْدَةُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ عُمُومَ الْحَدِيثِ يَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ، وَلِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ نَاقَضَ فَقَالَ: إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْقِتَالِ جَازَ أَمَانُهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسْلَبَ جَوَازَ الْأَمْنِ مِنْ الْإِذْنِ فِي الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ صَدَّهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَفَادَهُ بِالْإِسْلَامِ وَالْآدَمِيَّةِ.
وَأَمَّا الصَّبِيُّ: فَعَدَمُ تَكْلِيفِهِ يُسْقِطُ قَوْلَهُ بِلَا كَلَامٍ، إلَّا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالَتْ: إذَا أَطَاقَ الْقِتَالَ صَارَ فِي جُمْلَةِ الْجَيْشِ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُ ذَلِكَ؛ وَجَازَ أَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُقَاتِلَةِ، وَدَخَلَ فِي الْفِئَةِ الْحَامِيَةِ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: ٦]: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ يَسْمَعُ الْقُرْآنَ إلَّا وَهُوَ سَامِعٌ لِكَلَامِ اللَّهِ، لَكِنْ بِوَاسِطَةِ اللُّغَاتِ وَبِدَلَالَةِ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ، وَكَذَلِكَ يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ كُلُّ غَائِبٍ، لَكِنَّ الْقُدُّوسَ لَا مِثْلَ لَهُ وَلَا لِكَلَامِهِ.
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُكَرِّمَ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ أَسْمَعَهُ كَلَامَهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، كَمَا فَعَلَ بِمُوسَى وَمُحَمَّدٍ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لَيْسَ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: ٦] مُجَرَّدَ الْإِصْغَاءِ، فَيَحْصُلَ الْعِلْمُ لَهُ بِظَاهِرِ الْقَوْلِ؛ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَهْمَ الْمَقْصُودِ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى النُّبُوَّةِ، وَفَهْمِ الْمَقْصُودِ بِهِ مِنْ التَّكْلِيفِ، وَلَمْ يَكُنْ يَخْفَى عَلَى الْعَرَبِ وَجْهُ الْإِعْجَازِ فِيهِ، وَطَرِيقُ الدَّلَالَةُ عَلَى النُّبُوَّةِ، لِكَوْنِهِ خَارِجًا عَنْ أَسَالِيبِ فَصَاحَةِ الْعَرَبِ فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ، وَالْخُطَبِ وَالْأَرَاجِيزِ، وَالسَّجْعِ وَالْأَمْثَالِ، وَأَنْوَاعِ فَصْلِ الْخِطَابِ؛ فَإِنْ خَلَقَ اللَّهُ لَهُ الْعِلْمَ بِذَلِكَ، وَالْقَبُولَ لَهُ صَارَ مِنْ جُمْلَة الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ صُدَّ بِالطَّبْعِ، وَمُنِعَ بِالْخَتْمِ، وَحَقَّ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ الْقَوْلُ رُدَّ إلَى مَأْمَنِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute