فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ إنَّمَا سِيقَتْ لِبَيَانِ مَا يُحَرَّمُ بِالْإِحْرَامِ، وَمَا لَا يُحَرَّمُ بِهِ، لَا لِبَيَانِ مَا حَرُمَ بِنَفْسِهِ. وَإِنَّمَا بَيَانُ هَذِهِ الْحُرْمَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] إلَى آخِرِهَا. وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ السَّمَكُ الْمَذْكُورُ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ. وَهَذِهِ عُمْدَةُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ.
قُلْنَا: هَذَا قَلْبُ الْمَبْنَى، وَإِفْسَادُ الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا إنَّمَا جَاءَتْ لِبَيَانِ تَحْلِيلِ الصَّيْدِ، وَهُوَ أَخْذُ مَا لَا قُدْرَةَ لِلْعَبْدِ عَلَيْهِ، وَلَا أَنَسَ لَهُ بِهِ، وَصِفَةُ تَذْكِيَتِهِ حَتَّى يَحِلَّ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَاطَبَ بِهِ الْمُحِلِّينَ، فَبَيَّنَ رُكْنَ التَّحْلِيلِ فِي ذَلِكَ وَأَخْذَهُ بِالْقَهْرِ وَالْحِيلَةِ فِي كِبَارِهِ، وَبِالْيُسْرِ فِي صِغَارِهِ، ثُمَّ أَطْلَقَ تَحْلِيلَ صَيْدِ الْبَحْرِ فِي بَابِهِ، وَزَادَ مَا لَا يُصَادُ مِنْهُ؛ وَإِنَّمَا يَرْمِيهِ الْبَحْرُ رَمْيًا، ثُمَّ قَيَّدَ تَحْرِيمَ صَيْدِ الْبَرِّ خَاصَّةً بِالْإِحْرَامِ، وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ.
فَأَمَّا الْمُحَرَّمَاتُ وَأَجْنَاسُهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] فَهُوَ عَامٌّ خَصَّصَهُ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ، فِي مَيْتَةِ الْمَاءِ خَاصَّةً.
وَأَمَّا حَدِيثُ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ»؛ فَلَمْ يَصِحَّ فَلَا يَلْزَمُنَا عَنْهُ جَوَابٌ، ثُمَّ نَقُولُ: إنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ قَوْلُهُ: السَّمَكُ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَا فِي الْبَحْرِ، اسْمٌ عَامٌّ. وَقَدْ يُطْلَقُ بِالْعُرْفِ فِي بَعْضِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى أَصْلِ الْإِطْلَاقِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ عِنْدَنَا لِبَعْضِ الْحُوتِ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ سَمَكٌ دُونَ سَائِرِهَا.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَلِلسَّيَّارَةِ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: ٩٦]: فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لِلْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ " أَبِي عُبَيْدَةَ: إنَّهُمْ أَكَلُوهُ وَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute