للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُنَافِي الْبَقَاءَ عَلَى الْمِلْكِ، فَلَمْ يَسْقُطْ حُكْمُ الظِّهَارِ كَالْإِيلَاءِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا رَآهَا كَالْأُمِّ لَمْ يُمْسِكْهَا؛ إذْ لَا يَصِحُّ إمْسَاكُ الْأُمِّ بِالنِّكَاحِ. وَهَذَا عُمْدَةُ أَهْلِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ.

قُلْنَا: إذَا عَزَمَ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ، وَرَآهَا خِلَافَ الْأُمِّ كَفَّرَ، وَعَادَ إلَى أَهْلِهِ.

وَتَحْقِيقُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْعَزْمَ قَوْلٌ نَفْسِيٌّ، وَهَذَا رَجُلٌ قَالَ قَوْلًا يَقْتَضِي التَّحْلِيلَ، وَهُوَ النِّكَاحُ، وَقَالَ قَوْلًا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَهُوَ الظِّهَارُ، ثُمَّ عَادَ لِمَا قَالَ، وَهُوَ قَوْلُ التَّحْلِيلِ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ ابْتِدَاءَ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَاقٍ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ قَوْلُ عَزْمٍ يُخَالِفُ مَا اعْتَقَدَهُ، وَقَالَهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ الظِّهَارِ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي.

وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَفَّرَ، وَعَادَ إلَى أَهْلِهِ لِقَوْلِهِ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣]، وَهَذَا تَفْسِيرٌ بَالِغٌ فِي فَنِّهِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ مُحَرَّمٌ، فَلَا أَثَرَ لَهُ فِي مُوَافَقَةِ الْمُحَرَّمِ.

قُلْنَا: هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْزِمُ عَلَى مَا يَجُوزُ لَهُ بِمُحَلَّلٍ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ.

[مَسْأَلَة وَطِئَ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ]

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ حَتَّى يُكَفِّرَ، فَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ لَمْ تَتَعَدَّدْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ.

قُلْنَا: أَمَّا الْكَفَّارَةُ الْوَاحِدَةُ فَقُرْآنِيَّةٌ سُنِّيَّةٌ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَوْلٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْإِنْصَافِ، عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْا مِنْهُمْ النَّسَائِيّ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ قَدْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قَدْ ظَاهَرْت مِنْ امْرَأَتِي، فَوَقَعْت عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ. قَالَ: مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُك اللَّهُ، قَالَ: رَأَيْت خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ. فَقَالَ: لَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَك اللَّهُ».

<<  <  ج: ص:  >  >>