الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: سَنَنْظُرُ فِي أَمْرِك لَاجْتَزَأَ بِهِ، وَلَكِنَّ الْهُدْهُدَ لَمَّا صَرَّحَ لَهُ بِفَخْرِ الْعِلْمِ، {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل: ٢٢] صَرَّحَ لَهُ سُلَيْمَانُ بِأَنَّهُ سَيَنْظُرُ، أَصَدَقَ أَمْ كَذَبَ فَكَانَ ذَلِكَ كُفُؤًا لِمَا قَالَهُ.
[الْآيَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إلَيْهِمْ]
ْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: ٢٨] {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: ٢٩] {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: ٣٠].
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: ٢٩]
فِيهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: لِخَتْمِهِ، وَكَرَامَةُ الْكِتَابِ خَتْمُهُ.
الثَّانِي: لِحُسْنِ مَا فِيهِ مِنْ بَلَاغَةٍ وَإِصَابَةِ مَعْنًى.
الثَّالِثُ: كَرَامَةُ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكٌ.
الرَّابِعُ: كَرَامَةُ رَسُولِهِ؛ لِأَنَّهُ طَائِرٌ؛ وَمَا عُهِدَتْ الرُّسُلُ مِنْهَا.
الْخَامِسُ: لِأَنَّهُ بَدَأَ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ.
السَّادِسُ: لِأَنَّهُ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا الْجُلَّةُ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُبَايِعُهُ: لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؛ إنِّي أَقِرُّ لَك بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ مَا اسْتَطَعْت، وَإِنَّ بَنِيَّ قَدْ أَقَرُّوا لَك بِذَلِكَ.
وَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَحَدٌ قَبْلَ سُلَيْمَانَ.