الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي الْمُخْتَارِ: دَعْنَا مِنْ تَرْتَانَ، وَمَا لَنَا وَلِاخْتِلَافِ اللُّغَةِ وَتَتَبُّعُ الِاشْتِقَاقِ؟ وَلِسَانِ الْعَرَبِ وَاسِعٌ، وَمَعْنَى الْقُرْآنِ ظَاهِرٌ، وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ فَقَدَ أَبَاهُ وَابْنَهُ وَالزَّوْجَاتِ وَتَرَكَ الْإِخْوَةَ [وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَرَكَ سِهَامَ الْفَرَائِضِ مَعَ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالزَّوْجَاتِ وَتَرَكَ الْإِخْوَةَ]؛ فَجَعَلَ هَذِهِ آيَتَهُمْ وَجَعَلَهُمْ كَلَالَةً اسْمًا مَوْضُوعًا لُغَةً بِأَحَدِ مَعَانِي الْكَلَالَةِ مُسْتَعْمَلًا شَرْعًا، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي آخِرِ السُّورَةِ فِي آيَةِ الصَّيْفِ سَمَّاهُ كَلَالَةً، وَذَكَرَ فَرِيضَةً لَا أَبَ فِيهَا وَلَا ابْنَ، فَتَحَقَّقْنَا بِذَلِكَ مُرَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْكَلَالَةِ. تَبْقَى هَاهُنَا نُكْتَةٌ تَفَطَّنَ لَهَا أَبُو عَمْرٍو، وَهِيَ إلْحَاقُ فَقْدِ الْأَخِ لِلْعَيْنِ أَوْ لِعِلَّةٍ بِالْكَلَالَةِ؛ لِأَنَّهَا نَازِلَةٌ الْآيَةُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْأُولَى، وَهِيَ هَذِهِ؛ وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى آيَةِ الصَّيْفِ: الْكَلَالَةُ فَقْدُ الْأَبِ وَالِابْنِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاشْتِقَاقَ يَقْتَضِي ذَلِكَ كُلَّهُ؛ وَمُطْلَقُ اللُّغَةِ يَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ بِهَا فَاسْتَعْمَلَهُ الشَّرْعُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قَصْدًا لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ بِحَسَبِ الْأَدِلَّةِ وَالْمَصَالِحِ، فَهَذَا جَرَيَانُ الْأَمْرِ عَلَى الِاشْتِقَاقِ وَتَصْرِيفِ اللُّغَةِ، فَأَمَّا اعْتِبَارُ الْمَعْنَى عَلَى رَسْمِ الْفَتْوَى، وَهِيَ
[مَسْأَلَةٌ الْمُرَادِ بِالْكَلَالَةِ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْكَلَالَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْمًا اخْتَارُوا أَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ.
الثَّانِي: مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ إخْوَةٌ. الثَّالِثُ: قَوْلٌ طَرِيفٌ لَمْ يُذْكَرْ فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ؛ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَالَةَ الْمَالُ. فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْمَالُ، فَلَا وَجْهَ لَهُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ الَّذِي ذَهَبَ طَرَفَاهُ الْأَسْفَلُ فَمُشْكِلٌ تَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ حَتَّى أَلْحَفَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute