أَلَا تَرَى كَيْفَ نَبَّهَ مَالِكٌ عَلَى هَذَا الْعِلْمِ بِقَوْلِهِ [لِأَشْهَبَ]: الشِّبَعُ عِنْدَنَا بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالشِّبَعُ عِنْدَكُمْ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لَنَا بِالْبَرَكَةِ، وَبِهَذَا أَقُولُ؛ فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ إذَا أُدِّيَتْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْبَدَنِ كَانَ أَسْرَعَ لِلْقَبُولِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَالِ كَانَ قَلِيلُهَا أَثْقَلَ فِي الْمِيزَانِ، وَأَبْرَكَ فِي يَدِ الْآخِذِ، وَأَطْيَبَ فِي شِدْقِهِ، وَأَقَلَّ آفَةً فِي بَطْنِهِ، وَأَكْثَرَ إقَامَةً لِصُلْبِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ.
[مَسْأَلَة الْوَطْءَ لِلزَّوْجَةِ فِي لَيْلِ صَوْمِ الظِّهَارِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ قَوْلُهُ: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٤] يَقْتَضِي أَنَّ الْوَطْءَ لِلزَّوْجَةِ فِي لَيْلِ صَوْمِ الظِّهَارِ يُبْطِلُ الْكَفَّارَةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ شَرَطَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِعْلَهَا قَبْلِ التَّمَاسِّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّمَا يَكُونُ شَرْطُ الْمَسِيسِ فِي الْوَطْءِ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ. قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الصَّوْمَ قَبْلَ التَّمَاسِّ، فَإِذَا وَطِئَ فِيهِ فَقَدْ [تَعَذَّرَ كَوْنُهُ قَبْلَهُ، فَإِذَا أَتَمَّهَا كَانَ بَعْضُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَهُ، وَإِذَا اسْتَأْنَفَهَا] كَانَ الْوَطْءُ قَبْلَ جَمِيعِهَا، وَامْتِثَالُ الْأَمْرِ فِي بَعْضِهَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ فِي جَمِيعِهَا.
قُلْنَا: هَذَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يُذَقْ طَعْمَ الْفِقْهِ؛ فَإِنَّ الْوَطْءَ الْوَاقِعَ فِي خِلَالِ الصَّوْمِ لَيْسَ بِالْمُحَلِّ
الْمَأْذُونِ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَطْءُ تَعَدٍّ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِامْتِثَالِ لِلْأَمْرِ بِصَوْمٍ لَا يَكُونُ فِي أَثْنَائِهِ وَطْءٌ.
[مَسْأَلَة الْحَجْرُ عَلَى الْحُرِّ]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ غَرِيبِ الْأَمْرِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: الْحَجْرُ عَلَى الْحُرِّ بَاطِلٌ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: ٣]، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ السَّفِيهِ وَالرَّشِيدِ. وَهَذَا فِقْهٌ ضَعِيفٌ لَا يُنَاسِبُ قَدْرَهُ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ، وَقَدْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْحَجْرِ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاشِيًا، وَالنَّظَرُ يَقْتَضِيهِ. وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَجْرٌ لِصِغَرٍ أَوْ لِوِلَايَةٍ، وَبَلَغَ سَفِيهًا قَدْ نُهِيَ عَنْ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ فَكَيْفَ يَنْفُذُ فِعْلُهُ فِيهِ؟ وَالْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute