فَنَخْصِمُهُمْ وَنَبْهَتُهُمْ؛ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ وَلَا يَجْلِسَ فِيهِ إلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ».
[مَسْأَلَة الْمَقْصُود بِقَوْلِهِ تَعَالَى حَتَّى تَغْتَسِلُوا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣]: وَهُوَ لَفْظٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْعَرَبِ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ إمْرَارِ الْمَاءِ عَلَى الْمَغْسُولِ بِالْيَدِ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ مَا كَانَ مَنَعَ مِنْهُ؛ عِبَادَةً أَوْ عَادَةً. وَظَنَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْغُسْلَ عِبَارَةٌ عَنْ صَبِّ الْمَاءِ خَاصَّةً لَا سِيَّمَا وَقَدْ فَرَّقَتْ الْعَرَبُ بَيْنَ الْغُسْلِ بِالْمَاءِ وَالْغَمْسِ فِيهِ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِصَبِيٍّ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَأَتْبَعَهُ بِمَاءٍ وَلَمْ يَغْسِلْهُ». وَهَذَا نَصٌّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: لَمَّا قَالَ: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣] اقْتَضَى هَذَا عُمُومَ إمْرَارِ الْمَاءِ عَلَى الْبَدَنِ كُلِّهِ بِاتِّفَاقٍ؛ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالدَّلْكِ، وَأَعْجَبُ لِأَبِي الْفَرَجِ الَّذِي رَأَى وَحَكَى عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْغُسْلَ دُونَ ذَلِكَ يُجْزِي؛ وَمَا قَالَ مَالِكٌ قَطُّ نَصًّا وَلَا تَخْرِيجًا، وإنَّمَا هِيَ مِنْ أَوْهَامِهِ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ غَرِيبًا لَمْ يَخْرُجْ عِنْدَ مَالِكٍ أَوْ كَانَ احْتِيَاطًا لَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ، وَلَوْ صَبَبْت عَلَى نَفْسِكَ الْمَاءَ كَثِيرًا مَا عَمَّ حَتَّى تَمْشِيَ يَدُكَ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ بِمَا فِيهِ مِنْ دُهْنِيَّةٍ يَدْفَعُ الْمَاءَ عَنْ نَفْسِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: إذَا عَمَّ الْمَرْءُ نَفْسَهُ بِالْمَاءِ أَجْزَأَهُ إجْمَاعًا، إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ أَنْ يَمْتَثِلَ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ فِي دَوَاوِينَ صِحَاحٍ عَلَى السُّنَّةُ عُدُولٍ قَالُوا: رَوَتْ عَائِشَةُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute