[الْقَوْلُ فِي سُقُوطِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ سُورَة التَّوْبَة]
الْقَوْلُ فِي سُقُوطِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْهَا: وَفِي ذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ أَغْرَاضٌ جِمَاعُهَا أَرْبَعَةٌ:
الْأَوَّلُ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنَّهُ لَمَّا سَقَطَ أَوَّلُهَا سَقَطَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَعَهُ.
وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سُورَةَ " بَرَاءَةَ " كَانَتْ تَعْدِلُ الْبَقَرَةَ أَوْ قُرْبَهَا، فَذَهَبَ مِنْهَا، فَلِذَلِكَ لَمْ يُكْتَبْ فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
الثَّانِي: أَنَّ بَرَاءَةَ سُخْطٌ، وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَحْمَةٌ، فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا.
الثَّالِثُ: أَنَّ بَرَاءَةَ نَزَلَتْ بِرَفْعِ الْأَمَانِ، وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَانٌ.
وَهَذِهِ كُلُّهَا احْتِمَالَاتٌ، مِنْهَا بَعِيدٌ وَمِنْهَا قَرِيبٌ؛ وَأَبْعَدُهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهَا مُفْتَتَحَةٌ بِذِكْرِ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ سُوَرًا كَثِيرَةً مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ اُفْتُتِحَتْ بِذِكْرِ الْكُفَّارِ كَقَوْلِهِ: {الَّذِينَ كَفَرُوا} [محمد: ١].
وَقَوْلِهِ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} [الهمزة: ١].
الرَّابِعُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ مَا ثَبَتَ عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: قُلْنَا لِعُثْمَانَ: مَا حَمَلَكُمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إلَى الْأَنْفَالِ، وَهِيَ مِنْ الْمَثَانِي وَإِلَى بَرَاءَةَ، وَهِيَ مِنْ الْمِئِينِ، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ، فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟. قَالَ عُثْمَانُ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَدْعُو بِبَعْضِ مَنْ يَكْتُبُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذَا فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَتَنْزِلُ عَلَيْهِ الْآيَةُ فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ الْآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَتْ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ، وَبَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا، وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فَظَنَنْت أَنَّهَا مِنْهَا؛ فَمِنْ ثَمَّ قَرَنْت بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».
وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: آخِرُ مَا نَزَلَ بَرَاءَةٌ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلَمْ يَأْمُرْنَا فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ بِشَيْءٍ»؛ فَلِذَلِكَ ضُمَّتْ إلَى الْأَنْفَالِ، وَكَانَتْ شَبِيهَةً بِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute