للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا]

فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: ٥]. فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِلْمَوْلَى ثَمَانِيَةَ مَعَانٍ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَالْحَدِيثِ، وَأَوْضَحْنَا أَنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا الْوَارِثُ، وَابْنُ الْعَمِّ. وَلَمْ يَخَفْ زَكَرِيَّا إرْثَ الْمَالِ، وَلَا رَجَاهُ مِنْ الْوَلَدِ؛ وَإِنَّمَا أَرَادَ إرْثَ النُّبُوَّةِ، وَعَلَيْهَا خَافَ أَنْ تَخْرُجَ عَنْ عَقِبِهِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ». وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: «إنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا عِلْمًا». وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: رَجَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ فِي الْوَلَدِ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ دَعَاهُ لِإِظْهَارِ دِينِهِ، وَإِحْيَاءِ نُبُوَّتِهِ، وَمُضَاعَفَةِ أَجْرِهِ، فِي وَلَدٍ صَالِحٍ نَبِيٍّ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ لِلدُّنْيَا.

الثَّانِي: لِأَنَّ رَبَّهُ كَانَ قَدْ عَوَّدَهُ الْإِجَابَةَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: ٤]. وَهَذِهِ وَسِيلَةٌ حَسَنَةٌ أَنْ يَتَشَفَّعَ إلَيْهِ بِنِعَمِهِ، وَيَسْتَدِرَّ فَضْلَهُ بِفَضْلِهِ. يُرْوَى أَنَّ حَاتِمَ الْجَوَادَ لَقِيَهُ رَجُلٌ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ حَاتِمٌ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الَّذِي أَحْسَنْت إلَيْهِ عَامَ أَوَّلٍ. قَالَ: مَرْحَبًا بِمَنْ تَشَفَّعَ إلَيْنَا بِنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>