وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنْ تَبَرُّوا، أَيْ إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ عَنْ كَثْرَةِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
[الْآيَة الرَّابِعَة وَالسِّتُّونَ قَوْله تَعَالَى لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ]
ْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: ٢٢٥] فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اللَّغْوُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَخْصُوصٌ بِكُلِّ كَلَامٍ لَا يُفِيدُ، وَقَدْ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا لَا يَضُرُّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْمُرَادِ بِذَلِكَ: وَفِيهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: مَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، كَقَوْلِهِ: لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ؛ قَالَتْهُ عَائِشَةُ، وَالشَّافِعِيُّ.
الثَّانِي: مَا يَحْلِفُ فِيهِ عَلَى الظَّنِّ، فَيَكُونُ بِخِلَافِهِ قَالَهُ مَالِكٌ.
الثَّالِثُ: يَمِينُ الْغَضَبِ.
الرَّابِعُ: يَمِينُ الْمَعْصِيَةِ.
الْخَامِسُ: دُعَاءُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، كَقَوْلِهِ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَيَلْحَقُ بِي كَذَا وَنَحْوُهُ.
وَالسَّادِسُ: الْيَمِينُ الْمُكَفِّرُ.
السَّابِعُ: يَمِينُ النَّاسِي.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي تَنْقِيحِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ: اعْلَمُوا أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ السَّبْعَةِ الْأَقْوَالِ لَا تَخْلُو مِنْ قِسْمَيْ اللَّغْوِ اللَّذَيْنِ بَيَّنَّاهُمَا، وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى جَمِيعِهَا مُمْتَنِعٌ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ قَامَ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِبَعْضِهَا، وَفِي ذَلِكَ آيَاتٌ وَأَخْبَارٌ وَآثَارٌ لَوْ تَتَبَّعْنَاهَا لَخَرَجْنَا عَنْ مَقْصُودِ الِاخْتِصَارِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ مِنْ الْإِكْثَارِ