الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: وَفِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ أَشْبَهُهَا مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّ «رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَحْزُونٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا لِي أَرَاك مَحْزُونًا؟ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، نَحْنُ نَغْدُو عَلَيْكَ وَنَرُوحُ نَنْظُرُ فِي وَجْهِكَ وَنُجَالِسُكَ، وَغَدًا تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ، فَلَا نَصِلُ إلَيْكَ؛ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؛ فَبَعَثَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَشِّرُهُ».
[مَسْأَلَة الْمَدِينَةَ وَفَضْلَهَا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَصِفُ الْمَدِينَةَ وَفَضْلَهَا، يُبْعَثُ مِنْهَا أَشْرَافُ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَحَوْلَهَا الشُّهَدَاءُ أَهْلُ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ، ثُمَّ تَلَا مَالِكٌ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا - ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} [النساء: ٦٩ - ٧٠]؛ يُرِيدُ مَالِكٌ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: ٦٩] هُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بِالْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا، فَبَيَّنَ بِذَلِكَ فَضْلَهُمْ، وَفَضْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْبِقَاعِ: مَكَّةَ وسِوَاهَا، وَهَذَا فَضْلٌ مُخْتَصٌّ بِهَا، وَلَهَا فَضَائِلُ سِوَاهَا بَيَّنَّاهَا فِي قَبَسِ الْمُوَطَّأِ، وَفِي الْإِنْصَافِ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ؛ فَلْيُنْظَرْ فِي الْكِتَابَيْنِ.
[الْآيَة السَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ]
ٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء: ٧١] فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الثُّبَةُ: الْجَمَاعَةُ، وَالْجَمْعُ فِيهَا ثِبُونَ أَوْ ثِبِينَ أَوْ ثُبَاتٌ، كَمَا تَقُولُ: عِضَةٌ وَعِضُونَ وَعِضَاهٌ، وَاللُّغَتَانِ فِي الْقُرْآنِ، وَتَصْغِيرُ الثُّبَةِ ثُبَيَّةٌ، وَيُقَالُ فِي وَسَطِ الْحَوْضِ ثُبَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute