فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ أَنْ تُسَمَّى الْهَدِيَّةُ بِهَا مَجَازًا كَأَنَّهَا حَيَاةٌ لِلْمَحَبَّةِ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَجَازِ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِيقَةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ.
فَإِنْ قِيلَ: نَحْمِلهُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. قُلْنَا لَهُمْ: أَنْتُمْ لَا تَرَوْنَ ذَلِكَ؛ فَلَا يَصِحُّ لَكُمْ بِالْقَوْلِ بِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا بَقِيَتْ الْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَإِنْ حَمَلُوهُ عَلَى الْهَدِيَّةِ عَلَى مَذْهَبِنَا فِي هِبَةِ الثَّوَابِ فَنَسْتَثْنِي مِنْهَا الْوَلَدَ مَعَ وَالِدِهِ بِمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، فَلْيُطْلَبْ هُنَالِكَ، فَصَحَّتْ لَنَا الْآيَةُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَبَقِيَّةُ الْكَلَامِ يُنْظَرُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ فَلْيُطْلَبْ هُنَا لَك. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى السَّلَامِ عَلَيْكُمْ، فَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرُ سَلَّمَ يُسَلِّمُ سَلَامَةً وَسَلَامًا، كَلَذَاذَةٍ وَلَذَاذًا، وَقِيلَ لِلْجَنَّةِ دَارُ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهَا دَارُ السَّلَامَةِ مِنْ الْفَنَاءِ وَالتَّغَيُّرِ وَالْآفَاتِ.
وَقِيلَ: السَّلَامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ، وَلَا يُدْرِكُهُ آفَاتُ الْخَلْقِ. فَإِذَا قُلْت: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَيَحْتَمِلُ اللَّهُ رَقِيبٌ عَلَيْكُمْ. وَإِنْ أَرَدْت بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ عَقْدُ السَّلَامَةِ وَذِمَامُ النَّجَاةِ. حَدَّثَنَا الْحَضْرَمِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُنِيرٍ، أَخْبَرَنَا النَّيْسَابُورِيُّ [أَنْبَأَنَا قَلِيلَهْ]، أَنْبَأْنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَتَدْرِي مَا السَّلَامُ؟ تَقُولُ: أَنْتَ مِنِّي آمِنٌ.
[مَسْأَلَة السَّلَامَ سُنَّةٌ وَرَدُّهُ فَرْضٌ]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ وَرَدُّهُ فَرْضٌ لِهَذِهِ الْآيَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنْهُمْ: السَّلَامُ وَرَدُّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إنْ كَانَتْ جَمَاعَةً، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا كَفَى وَاحِدٌ. فَالسَّلَامُ فَرْضٌ مَعَ الْمَعْرِفَةِ، سُنَّةٌ مَعَ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ إنْ لَمْ تُسَلِّمْ عَلَيْهِ تَغَيَّرَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute