وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي رَدَّ التَّحِيَّةِ بِعَيْنِهَا، وَهِيَ الْهَدِيَّةُ، فَإِمَّا بِالتَّعْوِيضِ أَوْ الرَّدِّ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ فِي السَّلَامِ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْعَارِيَّةِ؟ لِأَنَّ رَدَّ الْعَيْنَ هَاهُنَا وَاجِبٌ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ. قُلْنَا: التَّحِيَّةُ تَفْعِلَةٌ مِنْ الْحَيَاةِ، وَهِيَ تَنْطَلِقُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى وُجُوهٍ؛ مِنْهَا الْبَقَاءُ قَالَ زُهَيْرُ بْنُ جَنَابٍ:
مِنْ كُلِّ مَا نَالَ الْفَتَى ... قَدْ نِلْته إلَّا التَّحِيَّةَ
وَمِنْهَا الْمُلْكُ، وَقِيلَ: إنَّهُ الْمُرَادُ هَاهُنَا فِي بَيْتِ زُهَيْرٍ.
وَمِنْهَا السَّلَامُ، وَهُوَ أَشْهَرُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} [المجادلة: ٨]. وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ وَالْمُفَسِّرُونَ أَنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا بِالتَّحِيَّةِ السَّلَامُ حَتَّى ادَّعَى هَذَا الْقَائِلُ تَأْوِيلَهُ هَذَا، وَنَزَعَ بِمَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَإِنَّ الْعَرَبَ عَبَّرَتْ بِالتَّحِيَّةِ عَنْ الْهَدِيَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لِمَجَازٍ؛ لِأَنَّهَا تَجْلِبُ التَّحِيَّةَ كَمَا يَجْلِبُهَا السَّلَامُ، وَالسَّلَامُ أَوَّلُ أَسْبَابِ التَّحِيَّةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» وَقَالَ: «أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute