ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ، هُوَ الْأَفْضَلُ، وَمَدْحُ الْبَارِي أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى صِفَةِ الْفَضْلِ فِي الْمَمْدُوحِ عَلَى غَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَوَاضِعَ مُتَقَدِّمَةٍ.
[الْآيَة الْعَاشِرَة قَوْله تَعَالَى مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ]
َ} [المؤمنون: ٦٧].
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الذَّمِّ أَهْلُ الْحَرَمِ قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ} [المؤمنون: ٦٦] مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ، أَيْ بِالْحَرَمِ، يُرِيدُ يَتَعَاطَوْنَ بِهِ الْكِبْرَ وَيَدَّعُونَ، حَتَّى كَانُوا يَرَوْنَ النَّاسَ يَتَخَطَّفُونَ مِنْ حَوْلِهِمْ، وَهُمْ آمِنُونَ. وَمِنْ الْكِبْرِ كُفْرٌ، وَهُوَ التَّكَبُّرُ عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى رَسُولِهِ، وَالتَّكَبُّرُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِسْقٌ، وَالتَّكَبُّرُ عَلَى الْكُفَّارِ إيمَانٌ؛ فَلَيْسَ الْكِبْرُ حَرَامًا لِعَيْنِهِ؛ وَإِنَّمَا يَكُونُ حُكْمُهُ بِحُكْمِ مُتَعَلَّقِهِ.
[مَسْأَلَة التَّحَلُّقُ بِاللَّيْلِ لِلسَّمَرِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {سَامِرًا} [المؤمنون: ٦٧]
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: حَلْقًا حَلْقًا، وَأَصْلُهُ التَّحَلُّقُ بِاللَّيْلِ لِلسَّمَرِ، وَكَنَّى بِقَوْلِهِ: سَامِرًا عَنْ الْجَمَاعَةِ، كَمَا يُقَالُ: بَاقِرٌ وَجَامِلٌ لِجَمَاعَةِ الْبَقَرِ وَالْجِمَالِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْمَثَلِ: لَا أُكَلِّمُهُ السَّمَرَ وَالْقَمَرَ يَعْنِي فِي قَوْلِهِمْ: اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: السَّمَرُ ظِلُّ الْقَمَرِ.
وَحَقِيقَتُهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَفْظٌ يُسْتَعْمَلُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهُمَا: ابْنَا سَمِيرٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي النَّهَارِ جِبِلَّةٌ، وَفِي اللَّيْلِ عَادَةٌ، فَانْتَظَمَا، وَعُبِّرَ عَنْهُمَا بِهِ، وَقَدْ قَرَأَهُ أَبُو رَجَاءٍ سُمَّارًا جَمْعُ سَامِرٍ.
وَقَدْ قَالَ الطَّبَرِيُّ: إنَّمَا وَحَدّ سَامِرًا، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ مَوْضِعَ الْوَقْتِ يَعْنِي وَالْوَقْتُ وَاحِدٌ، وَإِذَا خَرَجَ الْكَلَامُ عَنْ الْفَاعِلِ أَوْ الْفِعْلِ إلَى الْوَقْتِ وُحِّدَ لِيَدُلَّ عَلَى خُرُوجِهِ عَنْ بَابِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute