للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: ٦٧]:

قُرِئَ بِرَفْعِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، وَبِنَصَبِ التَّاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ؛ فَالْأَوَّلُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْجَرَ إذَا نَطَقَ بِالْفُحْشِ. وَالثَّانِي مِنْ هَجَرَ إذَا هَذَى، وَمَعْنَاهُ تَتَكَلَّمُونَ بِهَوَسٍ، وَلَا يَضُرُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ إنَّمَا ضَرَرُهُ نَازِلٌ بِكُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا حَقِيقَةَ " هَجَرَ " فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.

وَلِذَلِكَ فَسَّرَهَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: مُسْتَكْبِرِينَ بِحَرَمِي، تَهْجُرُونَ نَبِيِّ وَزَادَ قَتَادَةُ أَنَّ سَامِرَ الْحَرَمِ آمِنٌ، لَا يَخَافُ بَيَاتًا، فَعَظَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ السَّمَرَ فِي الْأَمْنِ وَإِفْنَاءَهُ فِي سَبِّ الرَّسُولِ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:

رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، إنَّمَا كُرِهَ السَّمَرُ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: ٦٧] يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ ذَمَّ قَوْمًا بِأَنَّهُمْ يَسْمُرُونَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ، إمَّا فِي هَذَيَانٍ، وَإِمَّا فِي إذَايَةٍ.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ وَغَيْرِهِ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا» يَعْنِي صَلَاةَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ؛ أَمَّا الْكَرَاهِيَةُ لِلنَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَلِئَلَّا يُعَرِّضَهَا لِلْفَوَاتِ.

وَكَذَلِكَ قَالَ عُمَرُ فِيهَا: " فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ، فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ، فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ ".

وَأَمَّا كَرَاهِيَةُ السَّمَرِ بَعْدَهَا؛ فَلِأَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ كَفَّرَتْ خَطَايَاهُ، لِيَنَامَ عَلَى سَلَامَةٍ، وَقَدْ خَتَمَ الْمَلَكُ الْكَرِيمُ الْكَاتِبُ صَحِيفَتَهُ بِالْعِبَادَةِ، فَيَمْلَؤُهَا بِالْهَوَسِ، وَيَجْعَلُ خَاتَمَهَا الْبَاطِلَ أَوْ اللَّغْوَ؛ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَقَدْ قِيلَ: إنَّمَا يُكْرَهُ السَّمَرُ بَعْدَهَا لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

<<  <  ج: ص:  >  >>