[مَسْأَلَة اشْتَرَكُوا فِي السَّرِقَةِ فَنَقَبَ وَاحِدٌ الْحِرْزَ وَأَخْرَجَ آخَرُ]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: إذَا اشْتَرَكُوا فِي السَّرِقَةِ فَإِنْ نَقَبَ وَاحِدٌ الْحِرْزَ وَأَخْرَجَ آخَرُ فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا نَقَبَ وَلَمْ يَسْرِقْ، وَالْآخَرَ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ مَهْتُوكِ الْحُرْمَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ شَارَك فِي النَّقْبِ وَدَخَلَ وَأَخَذَ قُطِعَ. وَأَمَّا عُلَمَاؤُنَا فَقَالُوا: إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَعَاوُنٌ وَاتِّفَاقٌ قُطِعَا، وَإِنْ نَقَبَ سَارِقٌ وَجَاءَ آخَرُ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ فَدَخَلَ النَّقْبَ وَسَرَقَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَهُوَ الْحِرْزُ، وَفَصْلُ التَّعَاوُنِ قَدْ تَقَدَّمَ وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِ، فَلْيُنْظَرْ هُنَالِكَ.
[مَسْأَلَة النَّبَّاشِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: فِي النَّبَّاشِ: قَالَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ: يُقْطَعُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ مَالًا مُعَرَّضًا لِلتَّلَفِ لَا مَالِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَمْلِكُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ السَّرِقَةَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ سَاكِنٌ، وَإِنَّمَا تَكُونُ السَّرِقَةُ بِحَيْثُ تُتَّقَى الْأَعْيُنُ، وَيُتَحَفَّظُ مِنْ النَّاس، وَعَلَى نَفْي السَّرِقَةِ عَوَّلَ أَهْلُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَقُلْنَا: إنَّهُ سَارِقٌ؛ لِأَنَّهُ تَدَرَّعَ اللَّيْلَ لِبَاسًا، وَاتَّقَى الْأَعْيُنَ، وَتَعَمَّدْ وَقْتًا لَا نَاظِرَ فِيهِ وَلَا مَارَّ عَلَيْهِ؛ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَرَقَ فِي وَقْتِ تَبَرُّزِ النَّاسِ لِلْعِيدِ وَخُلُوِّ الْبَلَدِ مِنْ جَمِيعِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْقَبْرَ غَيْرُ حِرْزٍ فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ حِرْزَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِ حَالِهِ الْمُمَكَّنَةِ فِيهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَا يُمْكِنُ تَرْكُ الْمَيِّتِ عَارِيًّا، وَلَا يُنْفَقُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ دَفْنِهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْفَنَ إلَّا مَعَ أَصْحَابِهِ؛ فَصَارَتْ هَذِهِ الْحَاجَةُ قَاضِيَةً بِأَنَّ ذَلِكَ حِرْزُهُ، وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا} [المرسلات: ٢٥] {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: ٢٦] لَيَسْكُنَ فِيهَا حَيًّا وَيُدْفَنَ فِيهَا مَيِّتًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ عُرْضَةٌ لِلتَّلَفِ فَكُلُّ مَا يَلْبَسُهُ الْحَيُّ أَيْضًا مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ وَالْإِخْلَاقِ بِلِبَاسِهِ، إلَّا أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ أَعْجَلُ مِنْ الثَّانِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute