[الْآيَة السَّابِعَة قَوْله تَعَالَى وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إلَى رَبْوَةٍ]
ٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: ٥٠].
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: (رَبْوَةٍ) فِيهَا خَمْسُ لُغَاتٍ: كَسْرُ الرَّاءِ، وَفَتْحُهَا، وَضَمُّهَا، ثَلَاثُ لُغَاتٍ، وَيُقَالُ رِبَاوَةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَلَمْ أُقَيِّدْ غَيْرَهُ فِيمَا وَجَدْته الْآنَ عِنْدِي.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الرَّبْوَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهَا الرَّمْلَةُ؛ وَهِيَ فِلَسْطِينُ؛ قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ.
الثَّانِي: قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ أَقْرَبُ الْأَرْضِ إلَى السَّمَاءِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا دِمَشْقُ؛ قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ.
الرَّابِعُ: أَنَّهَا مِصْرُ قَالَهُ ابْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. وَلَيْسَ الرُّبَا إلَّا بِمِصْرَ، وَالْمَاءُ يُرْسَلُ فَيَكُونُ الرُّبَا عَلَيْهَا الْقُرَى، وَلَوْلَا ذَلِكَ غَرِقَتْ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ الْمُرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ؛ قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ.
السَّادِسُ: أَنَّهَا الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْأَقْوَالُ مِنْهَا مَا تُفَسَّرُ لُغَةً، وَمِنْهَا مَا تُفَسَّرُ نَقْلًا؛ فَأَمَّا الَّتِي تُفَسَّرُ لُغَةً فَكُلُّ أَحَدٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةُ الْمَدْرَكِ بَيْنَ الْخَلْقِ.
وَأَمَّا مَا يُفَسَّرُ مِنْهَا نَقْلًا فَمُفْتَقِرٌ إلَى سَنَدٍ صَحِيحٍ يَبْلُغُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّهُ تَبْقَى هَاهُنَا نُكْتَةٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا نَقَلَ النَّاسُ تَوَاتُرًا أَنَّ هَذَا مَوْضِعُ كَذَا، أَوْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ جَرَى كَذَا، أَوْ وَقَعَ لَزِمَ قَبُولُهُ، وَالْعِلْمُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْإِيمَانُ، وَخَبَرَ الْآحَادِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُخْبِرِ بِهِ بِصِفَةِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ، وَالْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ بِمَنْزِلَةِ الْعِيَانِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.