وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ فَإِنَّ الْأَصْلَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ اللَّبَنُ عَيْنٌ زَكَاتِيَّةٌ، وَقَدْ قَضَى حَقَّ النِّعْمَةِ فِيهِ وَحَازَ الِاسْتِيفَاءَ لِمَنَافِعِهَا، بِخِلَافِ الْعَسَلِ، فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي أَصْلِهِ، فَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ بِاللَّبَنِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْعَسَلِ، مُحْتَجًّا بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشْرَ». وَالْحَدِيثُ لَا أَصْلَ لَهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي ذُبَابٍ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «قَدِمْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ اجْعَلْ لِقَوْمِي مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَعْمَلَنِي عَلَيْهِمْ»، ثُمَّ اسْتَعْمَلَنِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَالَ: فَكَلَّمْت قَوْمِي فِي الْعَسَلِ، فَقُلْت لَهُمْ: زَكُّوهُ، فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي ثَمَرَةٍ لَا تُزَكَّى. قَالُوا: كَمْ؟ فَقُلْت: الْعُشْرُ. فَأَخَذْت مِنْهُمْ الْعُشْرَ، فَأَتَيْت عُمَرَ فَأَخْبَرْته، فَقَبَضَهُ، وَبَاعَهُ، وَجَعَلَهُ فِي صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ صَحَّ هَذَا كَانَ بِطَوَاعِيَتِهِمْ صَدَقَةً نَافِلَةً، وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَحْنُ فِي فَرْضِ أَصْلِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِيهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْآيَة الْعَاشِرَة قَوْله تَعَالَى وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا]
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [النحل: ٧٢]. فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: ٧٢]: يَعْنِي مِنْ جِنْسِكُمْ، يَعْنِي مِنْ الْآدَمِيِّينَ، رَدًّا عَلَى الْعَرَبِ الَّتِي كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّهَا تَتَزَوَّجُ الْجِنَّ وَتُبَاضِعُهَا، حَتَّى رَوَتْ أَنَّ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ تَزَوَّجَ مِنْهُمْ غُولًا، وَكَانَ يَخْبَؤُهَا عَنْ الْبَرْقِ، لِئَلَّا تَرَاهُ فَتَنْفِرَ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي لَمَحَ الْبَرْقَ وَعَايَنَتْهُ السِّعْلَاةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute