الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إذَا وُجِدَ الْفِعْلُ، فِي الْآدَمِيِّ مَعَ خَلْقِ الْإِرَادَةِ فِيهِ كَانَ طَوْعًا، وَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ مَعَ عَدَمِ الْإِرَادَةِ كَانَ كَرْهًا، وَيَأْتِي تَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[مَسْأَلَة تَفْسِير قَوْله تَعَالَى وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِهَا عَلَى أَقْوَالٍ، جُمْهُورُهَا أَرْبَعَةٌ:
الْأَوَّلُ: الْمُؤْمِنُ يَسْجُدُ طَوْعًا، وَالْكَافِرُ يَسْجُدُ خَوْفَ السَّيْفِ؛ فَالْأَوَّلُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ آمَنَ طَوْعًا مِنْ غَيْرِ لَعْثَمَةٍ.
وَالثَّانِي: الْكَافِرُ يَسْجُدُ لِلَّهِ، إذَا أَصَابَهُ الضُّرُّ يَسْجُدُ لِلَّهِ كَرْهًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} [الإسراء: ٦٧] يُرِيدُ عَنْهُ وَعَبَدْتُمْ غَيْرَهُ.
الثَّالِثُ: قَالَ الصُّوفِيَّةُ: الْمُخْلِصُ يَسْجُدُ لِلَّهِ مَحَبَّةً، وَغَيْرُهُ يَسْجُدُ لِابْتِغَاءِ عِوَضٍ، أَوْ لِكَشْفِ مِحْنَةٍ، فَهُوَ يَسْجُدُ كَرْهًا.
الرَّابِعُ: الْخَلْقُ كُلُّهُمْ سَاجِدٌ، إلَّا أَنَّهُ مَنْ سَجَدَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ طَوْعٌ، وَمَنْ سَجَدَ بِحَالِهِ فَهُوَ كَرْهٌ؛ إذْ الْأَحْوَالُ تَدُلُّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ ذِي الْحَالِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا مَنْ سَجَدَ لِدَفْعِ شَرٍّ فَذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ، هُوَ الَّذِي أَمَرَنَا بِالطَّاعَةِ، وَوَعَدَنَا بِالثَّوَابِ عَلَيْهَا، وَنَهَانَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَأَوْعَدَ بِالْعِقَابِ عَلَيْهَا، وَهَذَا حَالُ التَّكْلِيفِ، فَلَا يَتَكَلَّفُ فِيهَا تَعْلِيلًا إلَّا نَاقِصُ الْفِطْرَةِ قَاصِرُ الْعِلْمِ؛ وَغَرَضُ الصُّوفِيَّةِ سَاقِطٌ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، فَمَا عَبَدَ اللَّهَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَا وَلِيٌّ مُكَمَّلٌ إلَّا طَلَبَ النَّجَاةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute