وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ هَذَا كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ الْوُجُوبَ لَمْ يَثْبُتْ وَالنَّاسِخَ لَمْ يَرِدْ.
أَمَّا إنَّهُ قَدْ رَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «نَزَلْنَا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَفْنَاهُمْ، فَأَبَوْا، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ فَلَمْ يَنْفَعْهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ، فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ؛ إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَقَدْ سَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ فَلَمْ يَنْفَعْهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنِّي وَاَللَّهِ أَرْقِي، وَلَكِنْ وَاَللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعَلًا. فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَكَأَنَّمَا أُنْشِطُ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ. قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، وَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا، حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ الَّذِي يَأْمُرُ بِهِ. فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ ثُمَّ قَالَ: اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا. فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».
فَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَاسْتَضَفْنَاهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُونَا، ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الضِّيَافَةَ لَوْ كَانَتْ حَقًّا لَلَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَوْمَ الَّذِينَ أَبَوْا وَبَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ، وَلَكِنَّ الضِّيَافَةَ حَقِيقَةً فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْقُرَى حَيْثُ لَا طَعَامَ وَلَا مَأْوَى، بِخِلَافِ الْحَوَاضِرِ، فَإِنَّهَا مَشْحُونَةٌ بِالْمَأْوِيَّاتِ وَالْأَقْوَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الضَّيْفَ كَرِيمٌ، وَالضِّيَافَةَ كَرَامَةٌ، فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا فَهِيَ فَرِيضَةٌ.
[مَسْأَلَةُ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: ٦٩]
قَالَ كُبَرَاءُ النَّحْوِيِّينَ: فَمَا لَبِثَ حَتَّى جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، وَأَعْجَبُ لَهُمْ كَيْفَ اسْتَجَازُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute