وَقَالَ، لَمَّا رَأَى مَنْ شَفَقَتِهِمْ وَلِمَا رَجَاهُ مِنْ امْتِثَالِهِمْ وَاقْتِدَائِهِمْ، وَسَلِّ سَخِيمَةِ الْجَاهِلِيَّةِ عَنْ أَهْوَائِهِمْ: «لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً كَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ».
وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الْآيَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ إضَافَةُ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] وَلَا يَصْلُحُ هَذَا اللَّفْظُ لِفَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ، وَإِذَا امْتَنَعَ هَذَا فِي الْآيَةِ لَمْ يَبْقَ إلَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَالْآيَةُ بَعْدُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْقِرَانِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إمَّا فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَمِرِينَ فَصَدَّهُمْ الْعَدُوُّ فَحَلُّوا؛ وَذَلِكَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ الَّتِي مَنْ اعْتَمَرَ فِيهَا، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الشُّرُوطِ؛ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لَهُ.
وَكَأَنَّ الْمَعْنَى أَنْتُمْ قَدْ اعْتَمَرْتُمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَوْ حَجَجْتُمْ فِي هَذَا الْعَامِ لَكُنْتُمْ مُتَمَتِّعِينَ، وَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ صُدِدْتُمْ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَكُمْ مَعَ حِلِّكُمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ إلَى الْبَيْتِ عُمْرَةٌ صَحِيحَةٌ كَامِلَةٌ تَكُونُ إضَافَةُ الْحَجِّ إلَيْهَا مُتْعَةً.
[مَسْأَلَةٌ لَا يَلْزَمُ الْمَكِّيَّ دَمُ مُتْعَةٍ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَا يَلْزَمُ الْمَكِّيَّ دَمُ مُتْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَفَّهْ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بَلَدُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَتَمَتَّعُ وَلَا يَقْرِنُ مَنْ كَانَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَإِنْ تَمَتَّعَ أَوْ قَرَنَ فَهُوَ مُخْطِئٌ وَعَلَيْهِ دَمٌ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٦]: الْمَعْنَى: أَنَّ جَمْعَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَيْسَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الدَّمَ لَقَالَ تَعَالَى: ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ.
[وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مَشْرُوعٌ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ].
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute