الْمَرْءُ، وَلُبْسَةَ الْعَفَافِ الَّتِي تَسَتَّرَ بِهَا الْمُسْلِمُ لَا يُزِيلُهَا عَنْهُ خَبَرٌ مُحْتَمَلٌ، وَإِنْ شَاعَ، إذَا كَانَ أَصْلُهُ فَاسِدًا أَوْ مَجْهُولًا. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: {وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: ١٢]
أَيْ كَذِبٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ أَمْرٍ بَاطِنٍ مِمَّنْ لَمْ يُشَاهِدْهُ، وَذَلِكَ أَكْذَبُ الْأَخْبَارِ وَشَرُّ الْأَقْوَالِ حَيْثُ اُسْتُطِيلَ بِهِ الْعِرْضُ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَمَقْرُونٌ فِي تَأْكِيدِ التَّحْرِيمِ بِالْمُهُجَاتِ.
[الْآيَة الثَّامِنَة قَوْلُهُ تَعَالَى لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ]
َ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: ١٣].
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
هَذَا رَدٌّ إلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَإِحَالَةٌ عَلَى الْآيَةِ السَّابِقَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ حَكَمَ فِي رَمْيِ الْمُحْصَنَاتِ بِالْكَذِبِ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ قَائِلُ ذَلِكَ أَرْبَعَةً مِنْ الشُّهَدَاءِ عَلَى مَا زَعَمَ مِنْ الِافْتِرَاءِ، حَتَّى يُخْرِجَهُ إلَى الظَّاهِرِ مِنْ حَدِّ الْبَاطِنِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ حُكْمُ الْمُفْتَرِي فِي الْإِثْمِ وَحَالُهُ فِي الْحَدِّ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: ١٣]
وَهَذِهِ آيَةٌ مُشْكِلَةٌ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ الْقَذْفِ الظَّاهِرِ مَا هُوَ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْبَاطِنِ صِدْقٌ، وَلَكِنَّهُ يُؤْخَذُ فِي الظَّاهِرِ بِحُكْمِ الْكَاذِبِ، وَيُجْلَدُ الْحَدَّ.
وَهَذَا الْفِقْهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله: {عِنْدَ اللَّهِ} [النور: ١٣] يُرِيدُ فِي حُكْمِهِ، لَا فِي عِلْمِهِ، وَهُوَ إنَّمَا رَتَّبَ الْحُدُودَ عَلَى حُكْمِهِ الَّذِي شَرَعَهُ فِي الدُّنْيَا، لَا مُقْتَضَى عِلْمِهِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِالْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُبْنَى عَلَى ذَلِكَ حُكْمُ الْآخِرَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute