فَكُلُّ مَنْ دَلَكَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مُخَاطَبٌ بِالصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ مُخَاطَبٌ بِالِاسْتِعَاذَةِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ خَافَ يُقِيمُ الصَّلَاةَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ.
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣] فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآمِرُ بِهَا، وَالدَّاعِي إلَيْهَا، وَهُمْ الْمُعْطُونَ لَهَا، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى جَاءَ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: ١] وَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١].
وَقَدْ قِيلَ لَهُ: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: ٩٤].
وَمَا كَانَ لِيَشُكَّ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ مَنْ شَكَّ مِنْ النَّاسِ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ فِي وَقْتِهِ.
[مَسْأَلَة الْأَصْلُ فِي فِعْلِ كُلِّ إمَامٍ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ١٠٣]: الْأَصْلُ فِي فِعْلِ كُلِّ إمَامٍ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُتَصَدِّقِ بِالْبَرَكَةِ؛ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ " عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَتَاهُ رَجُلًا بِصَدَقَتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ فَجَاءَهُ ابْنُ أَبِي أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى».
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣] فَإِنَّهُ مِنْ صِفَةِ الصَّدَقَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: تُزَكِّيهِمْ.
يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ تَكُونُ سَبَبًا فِي طَهَارَتِهِمْ وَتَنْمِيَتِهِمْ.
وَأَهْلُ الصِّنَاعَةِ يَرَوْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَالَغُوا فَقَالُوا: إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ تُطَهِّرْهُمْ بِجَزْمِ الرَّاءِ، لِيَكُونَ جَوَابَ الْأَمْرِ، وَاَلَّذِي نَرَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ صِفَةً أَبْلُغُ فِي نَعْتِ الصَّدَقَةِ، وَأَقْطَعُ لِشَغَبِ الْمُخَالِفِ، وَأَبْعَدُ مِنْ الْمَجَازِ بِمَنْزِلَةٍ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى إنَّ صَلَاتَك سَكَنٌ لَهُمْ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: ١٠٣]: يَعْنِي: دُعَاءَك.
وَقَدْ تَكُونُ الصَّلَاةُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ فِي الْأَظْهَرِ مِنْ مَعَانِيهَا؛ قَالَ الْأَعْشَى: