وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ زُمِّلَ بِالْقُرْآنِ فَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْمَجَازِ، لَكِنَّهُ كَمَا قَدَّمْنَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَيَشْهَدُ لِمَعْنَاهُ حَدِيثٌ يُؤْثَرُ لَمْ يَصِحَّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «إنَّ اللَّهَ قَدْ زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى صَلَاتِكُمْ هَذِهِ وَهِيَ الْوِتْرُ، فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ.»
[مَسْأَلَة مَعْنَى الْآيَة لُغَوِيًّا قُمْ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ الْأَوَّلُ فِي الْقَوْلِ قَوْلُهُ: {قُمِ} [المزمل: ٢] هُوَ فِعْلٌ لَا يَتَعَدَّى وَلَكِنَّهُ عَلَى أَصْلِ الْأَفْعَالِ الْقَاصِرَةِ فِي تَعَدِّيهِ إلَى الظُّرُوفِ، فَأَمَّا ظَرْفُ الزَّمَانِ فَسَائِغٌ فِيهِ، وَارِدٌ كَثِيرًا بِهِ
يُقَالُ: قَامَ اللَّيْلَ، وَصَامَ النَّهَارَ، فَيَصِحُّ وَيُفِيدُ. وَأَمَّا ظَرْفُ الْمَكَانِ فَلَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ، لَا تَقُولُ: قُمْت الدَّارَ حَتَّى تَقُولَ وَسَطَ الدَّارِ وَخَارِجَ الدَّارِ. وَقَدْ قِيلَ قُمْ هَاهُنَا بِمَعْنَى صَلِّ؛ عَبَّرَ بِهِ عَنْهُ، وَاسْتُعِيرَ لَهُ عُرْفًا فِيهِ بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى اللَّيْلَ]
. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ {اللَّيْلَ} [المزمل: ٢] فَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ. وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ تَخْصِيصِهِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَشَقُّ. وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَقِيلَ: خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ كَانَ فَرْضًا.
فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ: «قَالَ سَعْدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ: فَانْطَلَقْت إلَى عَائِشَةَ. فَقُلْت: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؛ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَتْ أَلَسْت تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْت: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ الْقُرْآنَ. قَالَ: فَهَمَمْت أَنْ أَقُومَ وَلَا أَسْأَلُ أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ. ثُمَّ قُلْت: أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَتْ: أَلَسْت تَقْرَأُ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: ١]، قُلْت: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا، وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَتِهِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
[مَسْأَلَة اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْمَكَانَ وَالزَّمَانَ سَعَةً لِلْإِنْسَانِ]
. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْمَكَانَ وَالزَّمَانَ سَعَةً لِلْإِنْسَانِ وَمَجَالًا لِلْعَمَلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute