للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَبْلُغُنِي عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ يَقُولُ: إنَّ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ارْتَكَبَ مِنْ تِلْكَ الْمَرْأَةِ مُحَرَّمًا إلَّا جَلَدْته مِائَةً وَسِتِّينَ سَوْطًا، فَإِنَّهُ يُضَاعَفُ لَهُ الْحَدُّ حُرْمَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَهَذَا مِمَّا لَا يَصِحُّ عَنْهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا حُكْمُهُ عِنْدَكُمْ؟ قُلْنَا: أَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ نَبِيًّا زَنَى فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. وَأَمَّا مَنْ نَسَبَ إلَيْهِ دُونَ ذَلِكَ مِنْ النَّظْرَةِ وَالْمُلَامَسَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ نَقْلُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ صَمَّمَ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ فِيهِ وَنَسَبَهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنَاقِضُ التَّعْزِيرَ الْمَأْمُورَ بِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ نَوَى إنْ مَاتَ زَوْجُهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ إذَا لَمْ يُعَرِّضْهُ لِلْمَوْتِ، وَبَعْدَ هَذَا فَإِنَّ الذَّنْبَ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ سُؤَالُهُ زَوْجَةً وَعَدَمُ الْقَنَاعَةِ بِمَا كَانَ مِنْ عَدَدِ النِّسَاءِ عِنْدَهُ؛ وَالشَّهْوَةُ لَا آخِرَ لَهَا، وَالْأَمَلُ لَا غَايَةَ لَهُ؛ فَإِنَّ مَتَاعَ الدُّنْيَا لَا يَكْفِي الْإِنْسَانَ وَحْدَهُ فِي ظَنِّهِ، وَيَكْفِيهِ الْأَقَلُّ مِنْهُ؛ وَاَلَّذِي عَتَبَ اللَّهُ فِيهِ عَلَى دَاوُد تَعَلُّقُ بَالُهُ إلَى زَوْجِ غَيْرِهِ، وَمَدُّ عَيْنِهِ إلَى مَتَاعِ سِوَاهُ حَسْبَمَا نَصَّ اللَّهُ عَنْهُ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ أُورِيَا فَمَالَ إلَيْهَا، وَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ عَارِفًا، وَهَذَا بَاطِلٌ يَرُدُّهُ الْقُرْآنُ وَالْآثَارُ التَّفْسِيرِيَّةُ كُلُّهَا.

[مَسْأَلَة كُلُّ رُكُوعٍ سُجُودٌ وَكُلُّ سُجُودٍ رُكُوعٌ]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: ٢٤]: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الرُّكُوعَ هَاهُنَا السُّجُودُ؛ لِأَنَّهُ أَخُوهُ؛ إذْ كُلُّ رُكُوعٍ سُجُودٌ، وَكُلُّ سُجُودٍ رُكُوعٌ؛ فَإِنَّ السُّجُودَ هُوَ الْمِيلُ، وَالرُّكُوعُ هُوَ الِانْحِنَاءُ، وَأَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى

الْآخَرِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهَيْئَةٍ، ثُمَّ جَاءَ عَلَى تَسْمِيَةِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، فَسُمِّيَ السُّجُودُ رُكُوعًا.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هِيَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ أَمْ لَا؟ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ.

وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: ١] فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ، وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>