للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ لِلْقَوْمِ دَلِيلٌ يُحْكَى، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ مَعَنَا: إذَا تَكَرَّرَ الزِّنَا يُحَدُّ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا اعْتِرَاضَهُمْ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَأَبْطَلْنَاهُ. وَعُمُومُ الْقُرْآنِ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعَ.

[مَسْأَلَة إذَا مَلَكَ السَّارِقُ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: [إذَا مَلَكَ السَّارِقُ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ]: إذَا مَلَكَ السَّارِقُ قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ سَقَطَ الْقَطْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨]. فَإِذَا وَجَبَ الْقَطْعُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يُسْقِطْهُ شَيْءٌ وَلَا تَوْبَةُ السَّارِقِ، وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ حُقُوقَ اللَّهِ وَحُدُودَهُ، وَعَزَوْهُ إلَى الشَّافِعِيِّ قَوْلًا، وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤]. وَذَلِكَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْوُجُوبِ، فَوَجَبَ حَمْلُ جَمِيعِ الْحُدُودِ عَلَيْهِ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ دَلِيلُنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ حَدَّ الْمُحَارِبِ قَالَ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤]. وَعَطَفَ عَلَيْهِ حَدَّ السَّارِقِ، وَقَالَ فِيهِ: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: ٣٩] فَلَوْ كَانَ ظُلْمُهُ فِي الْحُكْمِ مَا غَايَرَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا، وَيَا مَعْشَرَ الشَّافِعِيَّةِ؛ سُبْحَانَ اللَّهِ، أَيْنَ الدَّقَائِقُ الْفِقْهِيَّةُ وَالْحِكَمُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي تَسْتَنْبِطُونَهَا فِي غَوَامِضِ الْمَسَائِلِ، أَلَمْ تَرَوْا إلَى الْمُحَارِبِ الْمُسْتَبِدِّ بِنَفْسِهِ، الْمُجْتَرِئِ بِسِلَاحِهِ، الَّذِي يَفْتَقِرُ الْإِمَامُ مَعَهُ إلَى الْإِيجَافِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، كَيْف أَسْقَطَ جَزَاءَهُ بِالتَّوْبَةِ اسْتِنْزَالًا عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ، كَمَا فُعِلَ بِالْكَافِرِ فِي مَغْفِرَةِ جَمِيعِ مَا سَلَفَ اسْتِئْلَافًا عَلَى الْإِسْلَامِ. فَأَمَّا السَّارِقُ وَالزَّانِي، وَهُمْ فِي قَبْضَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَحْتَ حُكْمِ الْإِمَامِ، فَمَا الَّذِي يُسْقِطُ عَنْهُمْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ؟ أَوْ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَلَى الْمُحَارِبِ، وَقَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا الْحَالَةُ وَالْحِكْمَةُ؟ هَذَا لَا يَلِيقُ بِمِثْلِكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْمُحَقِّقِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>