فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ النَّاسِ، وَلِمَ يَحْضُرُ بِدْعَةً، وَيُقِيمُ سُنَّةً مُبْدَلَةً؟ قُلْنَا: فِي الْجَوَابِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا قَالَ عُثْمَانُ، حِينَ قِيلَ لَهُ إنَّهُ يُصَلِّي لَنَا إمَامُ فِتْنَةٍ. قَالَ: " الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَفْعَلُ النَّاسُ؛ فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إسَاءَتَهُمْ ".
الثَّانِي: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ لَمْ يَسْتَطِعْ الْخُرُوجَ؛ فَإِنَّ الْمَوْضِعَ كَانَ مُحَاطًا بِهِ مِنْ الْحَرَسِ مَشْحُونًا بِحَاشِيَةِ مَرْوَانَ، يَحْفَظُونَ أَعْمَالَ النَّاسِ، وَيَلْحَظُونَ حَرَكَاتِهِمْ، فَلَوْ خَرَجَ أَبُو سَعِيدٍ لَخَافَ أَنْ يَلْقَى هَوَانًا، فَأَقَامَ مَعَ النَّاسِ فِي الطَّاعَةِ، وَخَلَصَ بِنَفْسِهِ مِنْ التَّبَاعَةِ.
[مَسْأَلَة أَجْرُ مَنْ يَأْتِي مِنْ الْأُمَّةِ أَضْعَافَ أجر الصَّحَابَة]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: تَذَاكَرْت بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى طَهَّرَهُ اللَّهُ مَعَ شَيْخِنَا أَبِي بَكْرٍ الْفِهْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ: «إنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ لِلْعَامِلِ فِيهَا أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ. فَقَالُوا: بَلْ مِنْهُمْ. فَقَالَ: بَلْ مِنْكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ تَجِدُونَ عَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا، وَهُمْ لَا يَجِدُونَ عَلَيْهِ أَعْوَانًا»، وَتَفَاوَضْنَا كَيْفَ يَكُونُ أَجْرُ مَنْ يَأْتِي مِنْ الْأُمَّةِ أَضْعَافَ أَجْرِ الصَّحَابَةِ، مَعَ أَنَّهُمْ أَسَّسُوا الْإِسْلَامَ، وَعَضَّدُوا الدِّينَ، وَأَقَامُوا الْمَنَارَ، وَافْتَتَحُوا الْأَمْصَارَ، وَحَمَوْا الْبَيْضَةَ، وَمَهَّدُوا الْمِلَّةَ؟ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «دَعُوا لِي أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ».
فَتَرَاجَعْنَا الْقَوْلَ فَكَانَ الَّذِي تَنَخَّلَ مِنْ الْقَوْلِ، وَتَحَصَّلَ مِنْ الْمَعْنَى لُبَابًا أَوْضَحْنَاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانَ لَهُمْ أَعْمَالٌ كَثِيرَةٌ فِيهَا مَا تَقَدَّمَ سَرْدُهُ؛ وَذَلِكَ لَا يَلْحَقُهُمْ فِيهِ أَحَدٌ، وَلَا يُدَانِي شَأْوَهُمْ فِيهَا بَشَرٌ، وَالْأَعْمَالُ سِوَاهَا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute