الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا إنَّمَا جَوَّزَ فِي الْجِيرَانِ ضَرُورَةَ اخْتِلَافِ السِّنِينَ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إجْزَائِهِ فِي الْأَصْلِ، فَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ كِتَابَ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ وَعَمِلَ بِهِ فِي الْأَقْطَارِ وَالْأَمْصَارِ أَوْلَى مِنْ كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الَّذِي لَمْ يَجِئْ إلَّا مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ. وَلَعَلَّهُ كَانَ لِقَضِيَّةٍ فِي عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى تَسْمِيَتِهَا صَدَقَةً]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي مَعْنَى تَسْمِيَتِهَا صَدَقَةً: وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ الصِّدْقِ فِي مُسَاوَاةِ الْفِعْلِ لِلْقَوْلِ، وَالِاعْتِقَادِ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا.
وَبِنَاءُ " صَدَقَ " يَرْجِعُ إلَى تَحْقِيقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَعَضُدُهُ بِهِ، وَمِنْهُ صَدَاقُ الْمَرْأَةِ؛ أَيْ تَحْقِيقُ الْحِلِّ وَتَصْدِيقُهُ بِإِيجَابِ الْمَالِ وَالنِّكَاحِ عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ.
وَيُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِتَصْرِيفِ الْفِعْلِ، يُقَالُ: صَدَّقَ فِي الْقَوْلِ صَدَاقًا وَتَصْدِيقًا، وَتَصَدَّقَتْ بِالْمَالِ تَصَدُّقًا، وَأَصْدَقَتْ الْمَرْأَةُ إصْدَاقًا.
وَأَرَادُوا بِاخْتِلَافِ الْفِعْلِ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَعْنَى الْمُخْتَصِّ بِهِ فِي الْكُلِّ.
وَمُشَابَهَةُ الصِّدْقِ هَاهُنَا لِلصَّدَقَةِ أَنَّ مَنْ أَيْقَنَ مِنْ دِينِهِ أَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ هِيَ الْمَصِيرُ، وَأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ الدَّانِيَةَ قَنْطَرَةٌ إلَى الْأُخْرَى، وَبَابٌ إلَى السُّوأَى أَوْ الْحُسْنَى عَمِلَ لَهَا، وَقَدَّمَ مَا يَجِدُهُ فِيهَا؛ فَإِنْ شَكَّ فِيهَا أَوْ تَكَاسَلَ عَنْهَا وَآثَرَ عَلَيْهَا بَخِلَ بِمَالِهِ، وَاسْتَعَدَّ لِآمَالِهِ، وَغَفَلَ عَنْ مَآلِهِ.
وَفِي كُتُبِ الذِّكْرِ تَحْقِيقُ ذَلِكَ.
[مَسْأَلَة الْمَعْنَى الَّذِي أَفَادَتْ هَذِهِ اللَّامُ قَوْله لِلْفُقَرَاءِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: ٦٠]: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أَفَادَتْ هَذِهِ اللَّامُ [فَقِيلَ] لَامُ الْأَجَلِ؛ كَقَوْلِك: هَذَا السَّرْجُ لِلدَّابَّةِ، وَالْبَابُ لِلدَّارِ؛ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ هَذِهِ لَامُ التَّمْلِيكِ؛ كَقَوْلِك: هَذَا الْمَالُ لِزَيْدٍ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْطَى جَمِيعُهَا لِلْعَامِلَيْنِ عَلَيْهَا.
وَاعْتَمَدَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ