للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولُ: إنَّمَا أَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا بِبَرَاءَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ تَضَمَّنَتْ نَقْضَ الْعَهْدِ الَّذِي كَانَ عَقَدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ سِيرَةُ الْعَرَبِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْعَقْدُ إلَّا الَّذِي عَقَدَهُ أَوْ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِهِ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْطَعَ أَلْسِنَةَ الْعَرَبِ بِالْحُجَّةِ، وَأَنْ يُرْسِلَ ابْنَ عَمِّهِ الْهَاشِمِيِّ مِنْ بَيْتِهِ بِنَقْضِ الْعَهْدِ، حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُمْ مُتَكَلِّمٌ. وَهَذَا بَدِيعٌ فِي فَنِّهِ.

[مَسْأَلَة قَوْلِ عَلِيٍّ فِي التَّأْذِينِ]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِ عَلِيٍّ فِي التَّأْذِينِ: هَلْ كَانَ بِثَلَاثِ آيَاتٍ أَوْ تِسْعٍ إلَى قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: ٢٨].

أَوْ إلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩].

وَهَذَا إنَّمَا نَشَأَ مِنْ رِوَايَاتٍ وَرَدَتْ، مِنْهَا قَوْلُهُ: وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ. وَفِيهَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ أَهْلَ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.

وَاَلَّذِي يَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ تَأْذَيْنَهُ إنَّمَا كَانَ إلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ٥] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ إنَّمَا وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي أَوْقَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ بِأَحْكَامٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْهَا مَا قَالَهُ فِي تَأْذِينِهِ، وَمِنْهَا مَا زَادَ عَلَيْهِ.

[الْآيَة الرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا]

وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٤].

قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ مَنْ خَاسَ بِعَهْدِهِ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ فِي نَقْضِ عَهْدِ مَنْ خَاسَ، وَأَمَرَ بِالْوَفَاءِ لِمَنْ بَقِيَ عَلَى عَهْدِهِ إلَى مُدَّتِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة: ٧].

الْمَعْنَى: كَيْفَ يَبْقَى لَهُمْ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَهُمْ قَدْ نَقَضُوهُ؛ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ قُرَيْشٌ الَّذِينَ عَاهَدَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ أَمَرَ أَنْ يُتِمَّ لَهُمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ، وَكَانَ قَدْ بَقِيَ لَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>