[مَسْأَلَة الصِّيَام فِي السَّفَر]
الْمَسْأَلَةُ الْمُوفِيَةُ عِشْرِينَ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: ٤٣] هَاهُنَا خِلَافُ قَوْلِهِ: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: ٤٣] فِي الصِّيَامِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ هُنَاكَ شَرْطٌ فِي الْإِفْطَارِ، فَاعْتَبَرْنَاهُ وَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ، وَحَدَّدْنَاهُ، فَأَمَّا هَاهُنَا فَإِنَّ التَّيَمُّمَ فِي حَالَةِ الْحَضَرِ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا نَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى السَّفَرِ، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ؛ فَأَمَّا عَدَمُ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ فَنَادِرٌ؛ فَإِنْ وَقَعَ فَالتَّيَمُّمُ جَائِزٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: يُعِيدُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ حَيْثُ وَقَعَ اتِّهَامٌ لَهُ بِالتَّقْصِيرِ كَمَا اسْتَقْصَرَ فِيمَا إذَا نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَتَيَمَّمَ، وَالنَّاسُ لَا خِطَابَ عَلَيْهِمْ إجْمَاعًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَتَيَمَّمُ فِي الْحَضَرِ إلَّا مَرِيضٌ أَوْ مَحْبُوسٌ، يُقَالُ لَهُ، أَوْ طَلِيقٌ طَلَبَ الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ حَتَّى خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَرَضِ وَالْحَبْسِ عِنْدَهُ هُوَ عَدَمُ الْمَقْدِرَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ شَرِيفًا بَدِيعًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ حَتَّى تَيَمَّمَ فِي الْحَائِطِ». وَهَذَا نَصٌّ فِي التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ]
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْله تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: ٤٣]: وَهُوَ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ، كَانُوا إذَا أَرَادُوا قَضَاءَ الْحَاجَةِ أَتَوْهُ رَغْبَةً فِي التَّسَتُّرِ، فَكُنِيَ بِهِ عَمَّا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، وَشُرِطَ الْوُضُوءُ بِهِ شَرْعًا وَكَأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَوْ كُنْتُمْ مُحْدِثِينَ حَدَثًا مُعْتَادًا، ضُرِبَ لَهُمْ بِهِ الْمِثْلُ، وَصَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: وَإِلَّا إذَا كُنْتُمْ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثِينَ حَتَّى تَغْتَسِلُوا، وَلِكُلِّ شَيْءٍ بَيَانُ صِفَةِ غُسْلِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّ الْخَارِجَ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَادِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ نَقْضُ الْوُضُوءِ وَصَارَ دَاءً، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ سُقُوطُ اعْتِبَارِ دَمِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُ دَمُ عِلَّةٍ، وَقَدْ مَهَّدْنَا ذَلِكَ بِتَفْصِيلِهِ فِي كُتُبِ الْمَسَائِلِ.
[مَسْأَلَة آرَاءٍ الْعُلَمَاء فِي قَوْله تَعَالَى أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣]: فِيهَا خِلَافٌ كَثِيرٌ، وَأَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِلْعُلَمَاءِ، وَمُتَعَلِّقَاتٌ مُخْتَلِفَاتٌ، وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ الطَّوِيلَةِ؛ وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا مَا فِيهِ بِطُرُقِهِ الْبَدِيعَةِ، وَخُذُوا الْآنَ مَعْنًى قُرْآنِيًّا بَدِيعًا؛ وَذَلِكَ أَنَّا نَقُولُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute