[الْآيَة التَّاسِعَة وَالْعُشْرُونَ قَوْله تَعَالَى يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ]
ِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [التوبة: ٧٤].
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ} [التوبة: ٧٤]: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَوْلُ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْد: إنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ حَقًّا فَلَنَحْنُ شَرٌّ مِنْ الْحُمْرِ.
ثُمَّ إنَّهُ حَلَفَ مَا قَالَ؛ قَالَهُ عُرْوَةُ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ إِسْحَاقَ.
الثَّانِي: أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ حِينَ قَالَ: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون: ٨]؛ قَالَهُ قَتَادَةُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ جَمَاعَةُ الْمُنَافِقِينَ قَالُوا ذَلِكَ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ.
وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِعُمُومِ الْقَوْلِ، وَوُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ وَفِيهِمْ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ اعْتِقَادُهُمْ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ.
[مَسْأَلَة الْكُفْرَ يَكُونُ بِكُلِّ مَا يُنَاقِضُ التَّصْدِيقَ وَالْمَعْرِفَةَ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ يَكُونُ بِكُلِّ مَا يُنَاقِضُ التَّصْدِيقَ وَالْمَعْرِفَةَ، وَإِنْ كَانَ الْإِيمَانُ لَا يَكُونُ إلَّا بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَمَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَذَلِكَ لِسَعَةِ الْحِلِّ وَضِيقِ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ كَالطَّلَاقِ يَقَعُ بِالنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ، وَلَيْسَ يَقَعُ النِّكَاحُ إلَّا بِاللَّفْظِ الْمَخْصُوصِ مَعَ الْقَوْلِ بِهِ.
[مَسْأَلَة الْكَافِرِ الَّذِي يُسِرُّ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِيمَانَ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ} [التوبة: ٧٤]: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَوْبَةِ الْكَافِرِ الَّذِي يُسِرُّ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِيمَانَ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ الزِّنْدِيقَ.