[مَسْأَلَة الْهَزْلُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ جِدًّا أَوْ هَزْلًا، وَهُوَ كَيْفَمَا كَانَ كُفْرٌ؛ فَإِنَّ الْهَزْلَ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، لَا خُلْفَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ، فَإِنَّ التَّحْقِيقَ أَخُو الْحَقِّ وَالْعِلْمِ، وَالْهَزْلَ أَخُو الْبَاطِلِ وَالْجَهْلِ.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: نَظَرُوا إلَى قَوْلِهِ: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: ٦٧].
فَإِنْ كَانَ الْهَزْلُ فِي سَائِرٍ الْأَحْكَامِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقَاوِيلَ، جِمَاعُهَا ثَلَاثَةٌ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ.
الثَّانِي: لَا يَلْزَمُ الْهَزْلُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ.
فَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: يَلْزَمُ نِكَاحُ الْهَازِلِ.
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا يَلْزَمُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ: يُفْسَخُ قَبْلُ وَبَعْدُ.
وَلِلشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الْهَازِلِ قَوْلَانِ؛ وَكَذَلِكَ يَتَخَرَّجُ مِنْ قَوْلِ عُلَمَائِنَا فِيهِ الْقَوْلَانِ.
قَالَ مُتَأَخِّرُو أَصْحَابِنَا: إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْهَزْلِ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ لَمْ يَلْزَمْ، وَإِنْ اخْتَلَفَا غَلَبَ الْجَدُّ الْهَزْلَ.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُ هَزْلُهُ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يَتَعَلَّقُ بِالتَّحْرِيمِ وَالْقُرْبَةِ، فَيَغْلِبُ اللُّزُومُ فِيهِ عَلَى الْإِسْقَاطِ.
[الْآيَة الثَّامِنَة وَالْعُشْرُونَ قَوْله تَعَالَى يَا أَيّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ]
َ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: ٧٣].
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: [الْمُجَاهَدَةُ]: فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: جَاهِدْهُمْ بِيَدِك، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِك، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَطِّبْ فِي وُجُوهِهِمْ.