وَاضْطَرَبَ، وَمِنْهُ سِبَاحَةُ الْمَاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: ٣٣] يُعْنَى يَجْرُونَ. وَقَالَ: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} [النازعات: ٣]؛ قِيلَ: الْمَلَائِكَةُ تُسَبِّحُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَيْ تَجْرِي وَقِيلَ: هِيَ السُّفُنُ: أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ تَخْرُجُ بِسُهُولَةٍ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَعْنَاهُ فَرَاغًا طَوِيلًا؛ وَسَاعَدَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. فَأَمَّا حَقِيقَةُ (س ب ح) فَالتَّصَرُّفُ وَالِاضْطِرَابُ؛ فَأَمَّا الْفَرَاغُ فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ تَفَرُّغَهُ لِأَشْغَالِهِ وَحَوَائِجِهِ عَنْ وَظَائِفَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ؛ فَأَحَدُ التَّفْسِيرَيْنِ لَفْظِيٌّ وَالْآخَرُ مَعْنَوِيٌّ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قُرِئَ سَبْخًا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَمَعْنَاهُ رَاحَةً وَقِيلَ نَوْمًا.
وَالتَّسْبِيخُ: النَّوْمُ الشَّدِيدُ، يُقَالُ سَبَّخَ، أَيْ نَامَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَسَبَّحَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ تَصَرَّفَ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ «سَمِعَ عَائِشَةَ تَدْعُو عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ: لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ بِدُعَائِك»، أَيْ لَا تُخَفِّفِي عَنْهُ، فَإِنَّ السَّارِقَ أَخَذَ مَالَهَا، وَهِيَ أَخَذَتْ مِنْ عِرْضِهِ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ كَانَ تَخْفِيفًا مِمَّا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ السَّرِقَةِ.
وَيُعَضِّدُهُ قَوْله تَعَالَى فِي الْأَثَرِ: «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدْ انْتَصَرَ»
وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اللَّيْلَ عِوَضُ النَّهَارِ، وَكَذَلِكَ النَّهَارُ عِوَضُ اللَّيْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: ٦٢]
[مَسْأَلَة نَوْمِ الْقَائِلَةِ الَّذِي يَسْتَرِيحُ بِهِ الْعَبْدُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى نَوْمِ الْقَائِلَةِ الَّذِي يَسْتَرِيحُ بِهِ الْعَبْدُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي الْعِلْمِ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي حَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ: فَقَدْ كَانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَرُوِيَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْهَا بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ إلَّا فِي آخِرِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute