[مَسْأَلَة لِلرَّجُلِ أَنْ يَذْهَبَ بِأَهْلِهِ حَيْثُ شَاءَ]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ:
قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [القصص: ٢٩].
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَذْهَبَ بِأَهْلِهِ حَيْثُ شَاءَ، لِمَا لَهُ عَلَيْهَا مِنْ فَضْلِ الْقَوَامِيَّةِ، وَزِيَادَةِ الدَّرَجَةِ، إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ لَهَا أَمْرًا فَالْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، وَأَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ.
الْمَسْأَلَةُ الْمُوفِيَةُ ثَلَاثِينَ:
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ طَلَبَ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ، وَحَنَّ إلَى وَطَنِهِ، وَفِي الرُّجُوعِ إلَى الْأَوْطَانِ تُقْتَحَمُ الْأَغْرَارُ، وَتُرْكَبُ الْأَخْطَارُ، وَتُعَلَّلُ الْخَوَاطِرُ، وَيَقُولُ: لَمَّا طَالَتْ الْمُدَّةُ لَعَلَّهُ قَدْ نُسِيَتْ التُّهْمَةُ، وَبَلِيَتْ الْقِصَّةُ.
[الْآيَةُ السَّابِعَةُ قَوْله تَعَالَى وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ]
ُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: ٥٥].
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْمُرَادِ بِذَلِكَ: أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْيَهُودِ أَسْلَمُوا، فَكَانَ الْيَهُودُ يَلْقَوْنَهُمْ بِالسَّبِّ وَالشَّتْمِ، فَيُعْرِضُونَ عَنْهُمْ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
الثَّانِي: قَوْمٌ مِنْ الْيَهُودِ أَسْلَمُوا، فَكَانُوا إذَا سَمِعُوا مَا غَيَّرَهُ الْيَهُودُ مِنْ التَّوْرَاةِ وَبَدَّلُوهُ مِنْ نَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصِفَتِهِ أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَذَكَرُوا الْحَقَّ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ الْمُسْلِمُونَ إذَا سَمِعُوا الْبَاطِلَ لَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يَكُونُوا يَهُودًا وَلَا نَصَارَى، وَكَانُوا عَلَى دِينِ