وَقَالَ مَالِكٌ بِقَضَاءِ عُمَرَ وَهُوَ النِّصْفُ؛ إذْ لَمْ يُرَاعِ الصَّحَابَةُ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ يَتْبَعْ ذَلِكَ إلَى أَقْصَاهُ، وَلَيْسَ بَعْدَ قَضَاءِ عُمَرَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ نَظَرٌ.
وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَعْطَى فِي ذِي الْعَهْدِ مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ» فَإِنَّمَا كَانَ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِئْلَافِ لِقَوْمِهِمْ؛ إذْ كَانَ يُؤَدِّيهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَلَا يُرَتِّبُهَا عَلَى الْعَاقِلَة، وَإِلَّا فَقَدْ اسْتَقَرَّ مَا اسْتَقَرَّ عَلَى يَدِ عُمَرَ، حَتَّى جَعَلَ فِي الْمَجُوسِيِّ ثَمَانَمِائَةِ دِرْهَمٍ لِنَقْصِهِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مُرَاعَاةِ التَّفَاوُتِ وَاعْتِبَارِ نَقْصِ الْمَرْتَبَةِ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: ٩٢]: ظَنَّ قَوْمٌ أَوَّلُهُمْ مَسْرُوقٌ أَنَّ الصِّيَامَ بَدَلٌ عَنْ الدِّيَةِ وَالرَّقَبَةِ، وَسَاعَدَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ. وَهُوَ وَهْمٌ؛ لِأَنَّ الصِّيَامَ يَلْزَمُ الْقَاتِلَ فَهُوَ بَدَلٌ عَمَّا كَانَ يَلْزَمُهُ مِنْ الرَّقَبَةِ، وَالدِّيَةُ لَمْ تَكُنْ تَلْزَمُهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلٌ عَنْهَا. وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ إطْنَابٍ فِيهِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: لَمَّا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: ٩٢] {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: ٩٣] انْحَصَرَ الْقَتْلُ فِي خَطَأٍ وَعَمْدِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ ثَالِثًا؛ وَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَجَعَلُوهُ عَمْدًا خَطَأً، كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ أَنَّهُ عَمْدٌ مِنْ وَجْهٍ خَطَأٍ مِنْ وَجْهٍ.
وَاَلَّذِي أَشَارُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ؛ فَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ عَمْدِ الْخَطَأِ قَتِيلِ السَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَصِحَّ
، وَقَدْ [رُوِيَ] شِبْهُ الْعَمْدِ عَنْ الصَّحَابَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute