الثَّانِي: الَّذِينَ يَعْصِمُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ يُعَذَّبُوا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: ٦٠] قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا، يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ أَوْ يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَلَّا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ.»
وَقَدْ رَوَى عَطَاءٌ قَالَ: دَخَلْت مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ كَانُوا يَقْرَءُونَ، {يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} [المؤمنون: ٦٠]؟ قَالَتْ: يَأْتُونَ مَا أَتَوْا، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهَا قَالَ لِي عُبَيْدُ بْنَ عُمَيْرٍ: لَأَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَتْ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ يَعْنِي بِقَوْلِهَا: يَأْتُونَ مَا أَتَوْا مِنْ الْمَجِيءِ أَيْ يَأْتُونَ الذُّنُوبَ وَهُمْ خَائِفُونَ.
[مَسْأَلَة النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ مَقَامُ الْخَوْفِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
عَوَّلُوا عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، وَلَا تَتَعَلَّقُوا بِأَعْضَاءِ الْكَسِيرِ، إنَّمَا كَانَ الْقَوْمُ إذَا غَلَبَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ الْإِخْلَاصُ وَالْقُرْبُ خَافُوا يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ كَبِيرَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْمُتَّقِينَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِمْ مَقَامُ الرَّجَاءِ، أَوْ يَغْلِبَ عَلَيْهِمْ مَقَامُ الْخَوْفِ؛ فَهَذِهِ الْآيَةُ تَشْهَدُ بِفَضْلِ غَلَبَةِ مَقَامِ الْخَوْفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ - وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ - وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: ٥٧ - ٥٩] {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: ٦٠] {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: ٦١].
وَكَانَ «النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ مَقَامُ الْخَوْفِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ مَادًّا يَدَيْهِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: كَفَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ مُنْجِزٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute