للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أُعْطِيت السَّبْعَ الطِّوَالَ مَكَانَ التَّوْرَاةِ، وَأُعْطِيت الْمِئِينِ مَكَانَ الزَّبُورِ، وَأُعْطِيت الْمَثَانِيَ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».

[نُكْتَةٌ أُصُولِيَّةٌ]

ٌ: فِي هَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَأْلِيفَ الْقُرْآنِ كَانَ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّ تَأْلِيفَهُ مِنْ تَنْزِيلِهِ يُبَيِّنُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ، وَيُمَيِّزُهُ لِكُتَّابِهِ، وَيُرَتِّبُهُ عَلَى أَبْوَابِهِ، إلَّا هَذِهِ السُّورَةَ فَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ فِيهَا شَيْئًا؛ لِيَتَبَيَّنَّ الْخَلْقُ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ، وَلَا يُحَاطُ بِعِلْمِهِ إلَّا بِمَا أَبْرَزَ مِنْهُ إلَى الْخَلْقِ، وَأَوْضَحَهُ بِالْبَيَانِ.

وَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ أَصْلٌ فِي الدِّينِ؛ أَلَا تَرَى إلَى عُثْمَانَ وَأَعْيَانِ الصَّحَابَةِ كَيْفَ لَجَئُوا إلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَرَأَوْا أَنَّ قِصَّةَ " بَرَاءَةَ " شَبِيهَةٌ بِقِصَّةِ " الْأَنْفَالِ " فَأَلْحَقُوهَا بِهَا؟ فَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ بَيَّنَ دُخُولَ الْقِيَاسِ فِي تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ فَمَا ظَنُّك بِسَائِرِ الْأَحْكَامِ.

[الْآيَة الْأُولَى قَوْله تَعَالَى بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ]

وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ إحْدَى وَخَمْسُونَ آيَةً:

الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ١].

فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْله تَعَالَى: {بَرَاءَةٌ} [التوبة: ١]: أَيْ هَذِهِ الْآيَاتُ بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ؛ يُقَالُ: بَرِئْت مِنْ الشَّيْءِ أَبْرَأُ بَرَاءَةً فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ: إذَا أَزَلْته عَنْ نَفْسِك، وَقَطَعْت سَبَبَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنِك.

<<  <  ج: ص:  >  >>