وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجَمِيعَ مُرَادٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُحْتَمِلٌ لَهُ، وَالتَّفَسُّحُ وَاجِبٌ فِيهِ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى اُنْشُزُوا فَانْشُزُوا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: {انْشُزُوا فَانْشُزُوا} [المجادلة: ١١]: فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا جَلَسُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَجْلِسِهِ أَطَالُوا، يَرْغَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ أَنْ يَرْتَفِعُوا.
الثَّانِي: أَنَّهُ الْأَمْرُ بِالِارْتِفَاعِ إلَى الْقِتَالِ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَوْضِعُ الصَّلَاةِ؛ قَالَهُ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ الْخَيْرُ كُلُّهُ؛ قَالَهُ قَتَادَةُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ، كَمَا بَيَّنَّاهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْفُسْحَةُ كُلُّ فَرَاغٍ بَيْنَ مَلَأَيْنِ. وَالنَّشْزُ: مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ.
ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِلَفْظِهِ وَحَقِيقَتِهِ، وَضَرَبَ الْمَثَلَ لِلثَّانِي فِي الِارْتِفَاعِ؛ فَصَارَ مَجَازًا فِي اللَّفْظِ حَقِيقَةً فِي الْمَعْنَى.
[مَسْأَلَة كَيْفِيَّةُ التَّفَسُّحِ فِي الْمَجَالِسِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ كَيْفِيَّةُ التَّفَسُّحِ فِي الْمَجَالِسِ مُشْكِلَةٌ، وَتَفَاصِيلُهَا كَثِيرَةٌ: الْأَوَّلُ مَجْلِسُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفْسَحُ فِيهِ بِالْهِجْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالسِّنِّ.
الثَّانِي مَجْلِسُ الْجُمُعَاتِ يُتَقَدَّمُ فِيهِ بِالْبُكُورِ إلَّا مَا يَلِي الْإِمَامَ، فَإِنَّهُ لِذَوِي الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى.
الثَّالِثُ: مَجْلِسُ الذِّكْرِ يَجْلِسُ فِيهِ كُلُّ أَحَدٍ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسُ.
الرَّابِعُ مَجْلِسُ الْحَرْبِ يَتَقَدَّمُ فِيهِ ذَوُو النَّجْدَةِ وَالْمِرَاسِ مِنْ النَّاسِ.
الْخَامِسُ مَجْلِسُ الرَّأْيِ وَالْمُشَاوَرَةِ يَتَقَدَّمُ فِيهِ مَنْ لَهُ بَصَرٌ بِالشُّورَى، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي مَجْلِسِ الذِّكْرِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَتَضَمَّنُهُ قَوْلُهُ: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: ١١] فَيَرْتَفِعُ الْمَرْءُ بِإِيمَانِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ بِعِلْمِهِ ثَانِيًا.
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُقَدِّمُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الصَّحَابَةِ،