تَوْجِيهٌ وَتَعْلِيمٌ تَسَاهَلَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فَقَالَ: إنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَجُّ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ لِأَنَّهُ كَانَ كَافِرًا فِي الْأَصْلِ، وَلَمْ يَكُنْ حَجُّ الْكَافِرِ مُعْتَدًّا بِهِ، فَلَمَّا ضُرِبَ عَلَيْهِ الرِّقُّ ضَرْبًا مُؤَبَّدًا لَمْ يُخَاطَبْ بِالْحَجِّ، وَهَذَا فَاسِدٌ فَاعْلَمُوهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْكُفَّارَ عِنْدَنَا مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَإِنْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى الْأَصْحَابِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْكُفْرَ قَدْ ارْتَفَعَ بِالْإِسْلَامِ فَوَجَبَ ارْتِفَاعُ حُكْمِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ تَلْزَمُهُ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ مَعَ كَوْنِهِ رَقِيقًا، وَلَوْ فَعَلَهَا فِي حَالِ الْكُفْرِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ مِثْلَهُ؛ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقَدُّمِ حُقُوقِ السَّيِّدِ.
[مَسْأَلَةٌ السَّبِيلُ فِي الْحَجّ]
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: السَّبِيلُ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، وَرَفَعُوا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ. وَهُوَ أَيْضًا يَبْعُدُ مَعْنًى فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: الِاسْتِطَالَةُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ لَكَانَ أَوْلَى فِي النَّفْسِ، فَإِنَّ السَّبِيلَ فِي اللُّغَةِ هِيَ الطَّرِيقُ، وَالِاسْتِطَاعَةُ مَا يَكْسِبُ سُلُوكَهَا، وَهِيَ صِحَّةُ الْبَدَنِ وَوُجُودُ الْقُوتِ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ فَالرُّكُوبُ زِيَادَةٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَدَنِ وَوُجُودِ الْقُوتِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبُ، وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: " النَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى طَاقَتِهِمْ وَيُسْرِهِمْ وَجَلَدِهِمْ ". قَالَ أَشْهَبُ: أَهُوَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا قَدْرُ طَاقَةِ النَّاسِ، وَقَدْ يَجِدُ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى السَّيْرِ، وَآخَرُ يَقْدِرُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى رِجْلَيْهِ، وَلَا صِفَةَ فِي ذَلِكَ أَبَيْنُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَهَذَا بَالِغٌ فِي الْبَيَانِ مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute