للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ غَيْرُهُ: يُوجِبُ ذَلِكَ أَخْذَ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ، وَأَخْذَ أَطْرَافِهِ بِأَطْرَافِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: ٤٥]. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا. وَنَخُصُّ هَذَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمَا شَخْصَانِ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ مَعَ السَّلَامَةِ فِي الْخِلْقَةِ فَلَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي الْأَنْفُسِ، وَيُقَالُ لِلْآخَرَيْنِ: إنَّ نَقْصَ الرِّقِّ الْبَاقِيَ فِي الْعَبْدِ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ يَمْنَعُ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُرِّ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْخَذَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ يَصْرِفُهُ الْحُرُّ كَمَا يَصْرِفُ الْأَمْوَالَ.

[مَسْأَلَةُ قَتْلَ الرَّجُلِ الْحُرّ بِالْمَرْأَةِ الْحُرَّة]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] يُوجِبُ قَتْلَ الرَّجُلِ [الْحُرِّ] بِالْمَرْأَةِ [الْحُرَّةِ] مُطْلَقًا؛ وَبِهِ قَالَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ بِالتَّرَاجُعِ، فَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ خُيِّرَ وَلِيُّهَا، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دِيَتَهَا، وَإِنْ شَاءَ أُعْطِيَ نِصْفَ الْعَقْلِ. وَقَتَلَ الرَّجُلَ. وَعُمُومُ الْآيَةِ يَرُدُّ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ». وَالْمَعْنَى يُعَضِّدُهُ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا قَتَلَ الْمَرْأَةَ فَقَدْ قَتَلَ مُكَافِئًا لَهُ فِي الدَّمِ، فَلَا يَجِبُ فِيهِ زِيَادَةٌ كَالرَّجُلَيْنِ.

[مَسْأَلَةُ قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا تُقْتَل الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥]. قُلْنَا: هَذَا عُمُومٌ تَخُصُّهُ حِكْمَتُهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا قَتَلَ مَنْ قَتَلَ صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ عَنْ الْقَتْلِ، فَلَوْ عَلِمَ الْأَعْدَاءُ أَنَّهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْهُمْ لَقَتَلُوا عَدُوَّهُمْ فِي جَمَاعَتِهِمْ، فَحَكَمْنَا بِإِيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ رَدْعًا لِلْأَعْدَاءِ، وَحَسْمًا لِهَذَا الدَّاءِ، وَلَا كَلَامَ لَهُمْ عَلَى هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>