الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فِي تَقْدِيرِ الْآيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ: وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَحْبِسَ امْرَأَةً كَرْهًا حَتَّى يَأْخُذَ مَالَهَا إذَا مَاتَتْ كَانَتْ غَيْرَ زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجَةً قَدْ سَقَطَ غَرَضُهُ فِيهَا، وَسَقَطَتْ عِشْرَتُهُ الْجَمِيلَةُ مَعَهَا، وَلَا يَحِلُّ عَضْلُهَا عَنْ النِّكَاحِ لِغَيْرِهِمْ حَتَّى يَأْخُذَ الزَّوْجُ مَا أَعْطَاهَا صَدَاقًا، أَوْ لِيَأْخُذَ الْغَاصِبُ مَا كَانَ أَخَذَ مِنْ مَالِ مُوَرِّثِهِ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُنَّ ذَنْبٌ بِزِنًا أَوْ نُشُوزٍ لَا تَحْسُنُ مَعَهُ عِشْرَةٌ، فَجَائِزٌ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِنِكَاحِهَا حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهَا مَالًا، فَأَوَّلُ الْآيَةِ عَامٌّ فِي الْأَزْوَاجِ وَغَيْرِهِمْ؛ وَآخِرُهَا عِنْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَخْصُوصٌ بِالْأَزْوَاجِ.
[مَسْأَلَةٌ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ١٩] وَحَقِيقَةُ " عَشَرَ " فِي الْعَرَبِيَّةِ الْكَمَالُ وَالتَّمَامُ، وَمِنْهُ الْعَشِيرَةُ، فَإِنَّهُ بِذَلِكَ كَمُلَ أَمْرُهُمْ وَصَحَّ اسْتِبْدَادُهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ. وَعَشَرَةٌ تَمَامُ الْعَقْدِ فِي الْعَدَدِ، وَيُعَشَّرُ الْمَالُ لِكَمَالِهِ نِصَابًا. فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْأَزْوَاجَ إذَا عَقَدُوا عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَكُونَ أُدْمَةُ مَا بَيْنَهُمْ وَصُحْبَتُهُمْ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ، فَإِنَّهُ أَهْدَأُ لِلنَّفْسِ، وَأَقَرُّ لِلْعَيْنِ، وَأَهْنَأُ لِلْعَيْشِ، وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يَجْرِيَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى سُوءِ عَادَتِهِمْ فَيَشْتَرِطُونَهُ وَيَرْبِطُونَهُ بِيَمِينٍ، وَمِنْ سُقُوطِ الْعِشْرَةِ تَنْشَأُ الْمُخَالَعَةُ، وَبِهَا يَقَعُ الشِّقَاقُ، فَيَصِيرُ الزَّوْجُ فِي شِقٍّ، وَهُوَ سَبَبُ الْخُلْعِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[وَجَدَ الرَّجُلُ فِي زَوْجَتِهِ كَرَاهِيَةً مِنْ غَيْرِ فَاحِشَةٍ وَلَا نُشُوزٍ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: ١٩] الْمَعْنَى: إنْ وَجَدَ الرَّجُلُ فِي زَوْجَتِهِ كَرَاهِيَةً، وَعَنْهَا رَغْبَةً، وَمِنْهَا نُفْرَةً مِنْ غَيْرِ فَاحِشَةٍ وَلَا نُشُوزٍ فَلْيَصْبِرْ عَلَى أَذَاهَا وَقِلَّةِ إنْصَافِهَا، فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ بِالْمُهْدِيَةِ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ السُّيُورِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كَانَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فِي الْمَنْزِلَةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَكَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ سَيِّئَةُ الْعِشْرَةِ، وَكَانَتْ تُقَصِّرُ فِي حُقُوقِهِ، وَتُؤْذِيهِ بِلِسَانِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute