للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ، فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ فَقَالَ: إنَّ قَوْمِي إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْت بَيْنَهُمْ، فَرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ. فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا فَمَا لَك مِنْ الْوَلَدِ؟ قَالَ: لِي شُرَيْحٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَمُسْلِمٌ. قَالَ: فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟ قَالَ: شُرَيْحٌ. قَالَ: فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ وَدَعَا لَهُ وَلِوَلَدِهِ».

[مَسْأَلَة كَيْفَ أَنْفَذَ النَّبِيُّ الْحُكْم بَيْن أَهْل الْكتاب]

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: كَيْفَ أَنْفَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ؟: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ جَوَابُ الْعُلَمَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ حَكَمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ مَنْ زَنَى مِنْهُمْ وَقَدْ تَزَوَّجَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ، فَيَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِهِ الْإِمَامُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ فِي الْإِحْصَانِ؛ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.

الثَّانِي: حَكَمَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِمْ بِشَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَشَهَادَةِ الْيَهُودِ، إذْ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا، فَيَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهَا حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى تَرْكِهَا. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِنَا، وَإِنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْحَقِّ فِي الدَّلِيلِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ؛ قَالَهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.

الثَّالِثُ: إنَّمَا حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ، وَلَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ الْيَوْمَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ؛ قَالَهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: فِي الْمُخْتَارِ: أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَلَا يَصِحُّ فَإِنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاخْتِيَارِهِمْ، وَسَأَلُوهُ عَنْ أَمْرِهِمْ، فَفِي هَذَا يَكُونُ النَّظَرُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مُخْبِرًا عَنْ الْحَقِيقَةِ فِيهِ: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [المائدة: ٤٣] وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ جَاءُوا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ {فَإِنْ جَاءُوكَ} [المائدة: ٤٢]. ثُمَّ خَيَّرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>