فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: يَنْعَقِدُ، وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ عَلَى الْإِيجَابِ بِلَفْظِ الِاسْتِدْعَاءِ لِحُصُولِ الْغَرَضِ مِنْ الرِّضَا بِهِ، عَلَى أَصْلِنَا؛ فَإِنَّ الرِّضَا بِالْقَلْبِ هُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ كَمَا وَقَعَ اللَّفْظُ، فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تُنْكِحَنِي، أَوْ أُنْكِحَك، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إيجَابًا حَاصِلًا؛ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ، وَقَالَ الْآخَرُ: نَعَمْ، انْعَقَدَ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ.
وَعَلَيْهِ يَدُلُّ ظَاهِرُ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} [القصص: ٢٧] فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: {ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ} [القصص: ٢٨] وَهَذَا انْعِقَادُ عَزْمٍ، وَتَمَامُ قَوْلٍ، وَحُصُولُ مَطْلُوبٍ، وَنُفُوذُ عَقْدٍ.
وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا بَنِي النَّجَّارِ؛ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ فَقَالُوا: لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ، إلَّا إلَى اللَّهِ». فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ، وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمِلْكِ.
[مَسْأَلَة تَزْوِيجُ الْكُبْرَى قَبْلَ الصُّغْرَى]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ:
قَوْلُهُمْ: إنَّهُ زَوَّجَ الصُّغْرَى. يُرْوَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ سُئِلْت أَيُّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى فَقُلْ: خَيْرَهُمَا وَأَوْفَاهُمَا. وَإِنْ سُئِلْت أَيُّ الْمَرْأَتَيْنِ تَزَوَّجَ فَقُلْ الصُّغْرَى وَهِيَ الَّتِي جَاءَتْ خَلْفَهُ، وَهِيَ الَّتِي قَالَتْ: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: ٢٦]».
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ:
عَادَةُ النَّاسِ تَزْوِيجُ الْكُبْرَى قَبْلَ الصُّغْرَى؛ لِأَنَّهَا سَبَقَتْهَا إلَى الْحَاجَةِ إلَى الرِّجَالِ، وَمِنْ الْبِرِّ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهَا.
وَاَلَّذِي أَوْجَبَ تَقْدِيمَ الصُّغْرَى فِي قِصَّةِ صَالِحِ مَدْيَنَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَعَلَّهُ آنَسَ مِنْ الْكُبْرَى رِفْقًا بِهِ، وَلِينَ عَرِيكَةٍ فِي خِدْمَتِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهَا سَبَقَتْ الصُّغْرَى إلَى خِدْمَتِهِ، فَلَعَلَّهَا كَانَتْ أَحَنَّ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute