فَكَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: {وَلأَبَوَيْهِ} [النساء: ١١] لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْكُفَّارُ؛ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: ١١] لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْكَافِرُ.
تَحْقِيقُهُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ جَعَلَتْهُ فِي بَابِ الْإِرْثِ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا كَالْمَعْدُومِ، كَذَلِكَ فِي بَابِ الْحَجْبِ فَإِنَّهُ أَحَدُ حُكْمَيْ الْمِيرَاثِ؛ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْكَافِرُ، أَوْ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَافِرِ أَصْلُهُ الْمِيرَاثُ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْحَجْبِ مُعَضِّدٌ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ فِي الْأَبْوَابِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الْأَسْبَابُ الَّتِي يُسْتَحَقُّ بِهَا الْمِيرَاثُ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ: نِكَاحٌ، وَنَسَبٌ، وَوَلَاءٌ. فَأَمَّا النِّكَاحُ وَالنَّسَبُ فَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُسْتَحَقُّ الْمِيرَاثُ زَائِدًا عَلَى هَذَا بِالْحَلِفِ وَالْمُعَاقَدَةِ وَالِاتِّحَادِ فِي الدِّيوَانِ.
وَحَقِيقَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمِيرَاثَ عِنْدَنَا يُسْتَحَقُّ بِأَرْبَعَةِ مَعَانٍ: نِكَاحٍ، وَنَسَبٍ، وَوَلَاءٍ، وَإِسْلَامٍ، وَمَعْنَى قَوْلِنَا: " وَإِسْلَامٍ " أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ عِنْدَنَا وَارِثٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ بِوَارِثٍ. وَقَدْ حَقَقْنَاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَعَوَّلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: ٣٣] وَهِيَ آيَةٌ نُبَيِّنُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ زِيَادَةُ الْفُرُوضِ عَلَى مِقْدَارِ الْمَالِ الْمُورِث]
فَصْلٌ لَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْفَرَائِضَ مَقَادِيرَهَا، وَقَرَّرَهَا مَقَارِيرَهَا، وَاسْتَمَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ زَمَانًا نَزَلَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ عَارِضَةٌ، وَهِيَ ازْدِحَامُ أَرْبَابِ الْفَرَائِضِ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَزِيَادَةُ فُرُوضِهِمْ عَلَى مِقْدَارِ الْمَالِ، مِثَالُ ذَلِكَ امْرَأَةٌ تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُخْتَهَا وَأُمَّهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أُلْقِيَتْ عِنْدَ عُمَرَ، وَكَانَ امْرَأً وَرِعًا، وَدَفَعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي أَيُّكُمْ قَدَّمَ اللَّهُ وَلَا أَيُّكُمْ أَخَّرَ، فَلَا أَجِدُ مَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْ أَنْ أُقَسِّمَ عَلَيْكُمْ هَذَا الْمَالَ بِالْحِصَصِ، فَأَدْخَلَ عَلَى كُلِّ ذِي سَهْمٍ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ عَوْلٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَزِيزِ، إنَّ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا مَا جَعَلَ فِي الْمَالِ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا، فَهَذَانِ النِّصْفَانِ قَدْ ذَهَبَا بِالْمَالِ، فَأَيْنَ الثُّلُثُ؟ فَلْيَجِيئُوا فَلْنَضَعْ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكْنِ فَلْنَبْتَهِلْ. قَالَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ الْبَصْرِيُّ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؛ وَأَيُّهُمَا قَدَّمَ اللَّهُ؟ وَأَيُّهُمَا أَخَّرَ؟ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute