وَفِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ». وَقَالَ أَنَسٌ: «أَخَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ».
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «أَعْتَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعَتَمَةِ».
وَقَوْلُ أَنَسٍ فِي الْبُخَارِيِّ: " الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ يَدُلُّ عَلَى الْعِشَاءِ الْأُولَى ".
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْعِشَاءِ يَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ»؛ لِأَنَّهُمْ يُعْتِمُونَ بِحِلَابِ الْإِبِلِ.
وَهَذِهِ أَخْبَارٌ مُتَعَارِضَةٌ لَا يُعْلَمُ مِنْهَا الْأَوَّلُ مِنْ الْآخِرِ بِالتَّارِيخِ، لَكِنَّ كُلَّ حَدِيثٍ بِذَاتِهِ يُبَيِّنُ وَقْتَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَسْمِيَةِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عِشَاءً، وَعَنْ تَسْمِيَةِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ عَتَمَةً ثَابِتٌ؛ فَلَا مَرَدَّ لَهُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَضْلًا عَمَّنْ عَدَاهُمْ.
وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: مَنْ قَالَ صَلَاةُ الْعَتَمَةِ فَقَدْ أَثِمَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} [النور: ٥٨] فَاَللَّهُ سَمَّاهَا صَلَاةَ الْعِشَاءِ، فَأَحَبَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُسَمَّى بِمَا سَمَّاهَا بِهِ اللَّهُ، وَيُعَلِّمُهَا الْإِنْسَانُ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ، وَلَا يَقُلْ عَتَمَةً إلَّا عِنْدَ خِطَابِ مَنْ لَا يَفْهَمُ، وَقَدْ قَالَ حَسَّانُ:
وَكَانَ لَا يَزَالُ بِهَا أَنِيسٌ ... خِلَالَ مُرُوجِهَا نَعَمٌ وَشَاءُ
فَدَعْ هَذَا وَلَكِنْ مِنْ لَطِيفٍ ... يُؤَرِّقُنِي إذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُ
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ]
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ} [النور: ٥٨]: الْعَوْرَةُ كُلُّ شَيْءٍ لَا مَانِعَ دُونَهُ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: ١٣] أَيْ سَهْلَةُ الْمَدْخَلِ، لَا مَانِعَ دُونَهَا، فَبَيَّنَ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ لِلْإِذْنِ، وَهِيَ الْخَلْوَةُ فِي حَالِ الْعَوْرَةِ، فَتَعَيَّنَ امْتِثَالُهُ، وَتَعَذَّرَ نَسْخُهُ، ثُمَّ رُفِعَ الْجُنَاحُ بَعْدَهُنَّ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَيْلُ بِالْعِتَابِ أَوْ الْعِقَابِ عَلَى الْفَاعِلِ، وَهِيَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute