[مَسْأَلَةٌ اخْتِلَافُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّهْنَ قَائِمًا مَقَامَ الشَّاهِدِ؛ فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَخَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ، وَمَا قُلْنَاهُ يَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَعَادَةُ النَّاسِ فِي ارْتِهَانِهِمْ مَا يَكُونُ قَدْرَ الدَّيْنِ فِي مُعَامَلَتِهِمْ، فَإِذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ: دَيْنِي مِائَةٌ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: خَمْسُونَ، صَارَ الرَّهْنُ شَاهِدًا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي مَعَهُ كَمَا يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: دَيْنِي مِائَةٌ وَخَمْسُونَ صَارَ مُدَّعِيًا فِي الْخَمْسِينَ.
وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ، وَظَنُّوا بِنَا أَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّمَا نَسْتَوْفِي بِهِ إذَا هَلَكَ، وَكَانَ مِمَّا يُعَابُ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.
[مَسْأَلَةٌ أَسْقَطَ الْكِتَابَ وَالْإِشْهَادَ وَالرَّهْنَ]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [البقرة: ٢٨٣] مَعْنَاهُ إنْ أَسْقَطَ الْكِتَابَ وَالْإِشْهَادَ وَالرَّهْنَ، وَعَوَّلَ عَلَى أَمَانَةِ الْمُعَامِلِ، فَلْيُؤَدِّ الَّذِي ائْتُمِنَ الْأَمَانَةَ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَلَوْ كَانَ الْإِشْهَادُ وَاجِبًا لَمَا جَازَ إسْقَاطُهُ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ وَثِيقَةٌ، وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَنَا فِي النِّكَاحِ، وَقَالَ الْمُخَالِفُونَ: هُوَ وَاجِبٌ فِي النِّكَاحِ، وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ هَذَا نَاسِخٌ لِلْأَمْرِ بِالْإِشْهَادِ، وَتَابَعَهُمْ جَمَاعَةٌ؛ وَلَا مُنَازَعَةَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ، بَلْ هُوَ جَائِزٌ، وَحَبَّذَا الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَا نُبَالِي مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الدَّلِيلِ.
وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْإِشْهَادَ حَزْمٌ، وَالِائْتِمَانَ وَثِيقَةٌ بِاَللَّهِ مِنْ الْمُدَايِنِ، وَمُرُوءَةٌ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute