للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَيْظِ، وَطَيِّبِ الثِّمَارِ، وَبَرْدِ الظِّلَالِ؛ فَاسْتَوْلَى عَلَى النَّاسِ الْكَسَلُ، وَغَلَبَهُمْ عَلَى الْمَيْلِ إلَيْهَا الْأَمَلُ، فَتَقَاعَدُوا عَنْهُ، وَتَثَاقَلُوا عَلَيْهِ، فَوَبَّخَهُمْ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ هَذَا، وَعَابَ عَلَيْهِمْ الْإِيثَارَ لِلدُّنْيَا عَلَى ثَوَابِ الْآخِرَةِ.

[مَسْأَلَة تَوْبِيخٌ عَلَى تَرْكِ الْجِهَادِ]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ {اثَّاقَلْتُمْ} [التوبة: ٣٨]: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَاهُ تَثَاقَلْتُمْ، وَهَذَا تَوْبِيخٌ عَلَى تَرْكِ الْجِهَادِ، وَعِتَابٌ فِي التَّقَاعُدِ عَنْ الْمُبَادَرَةِ إلَى الْخُرُوجِ.

وَنَحْوُ قَوْلِهِ: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٣٨] هُوَ قَوْلُهُ: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] الْمَعْنَى لَا تُقْبِلُوا عَلَى الْأَمْوَالِ إيثَارًا لَهَا عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَلَا تَرْكَنُوا إلَى التِّجَارَةِ الْحَاضِرَةِ، تَقْدِيمًا لَهَا عَلَى التِّجَارَةِ الرَّابِحَةِ الَّتِي تُنْجِيكُمْ مِنْ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

[مَسْأَلَة إيثَارِ الرَّاحَةِ فِي الدُّنْيَا عَلَى الرَّاحَةِ فِي الْآخِرَةِ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} [التوبة: ٣٨]: يَعْنِي بَدَلًا مِنْ الْآخِرَةِ، وَيَرِدُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ نَثْرًا، وَنَظْمًا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

فَلَيْتَ لَنَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ شَرْبَةً ... مُبَرَّدَةً بَاتَتْ عَلَى الطَّهَيَانِ

أَرَادَ لَيْتَ لَنَا بَدَلًا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ.

وَالطَّهَيَانُ: عُودٌ يُنْصَبُ فِي سَاحَةِ الدَّارِ لِلْهَوَاءِ، وَيُعَلَّقُ عَلَيْهِ إنَاءٌ لَيْلًا حَتَّى يَبْرُدَ.

عَاتَبَهُمْ عَلَى إيثَارِ الرَّاحَةِ فِي الدُّنْيَا عَلَى الرَّاحَةِ فِي الْآخِرَةِ؛ إذْ لَا تُنَالُ رَاحَةُ الْآخِرَةِ إلَّا بِنَصَبِ الدُّنْيَا.

قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَقَدْ طَافَتْ رَاكِبَةً: «أَجْرُكِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ».

وَهَذَا لَا يَصْدُرُ إلَّا عَنْ قَلْبٍ مُوقِنٍ بِالْبَعْثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>