[يَعْنِي مَكَّةَ لِمَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ الْأَمْنِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آلِ عِمْرَانَ وَالْعَنْكَبُوتِ وَغَيْرِهِمَا]، وَبِهَذَا احْتَجَّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَرَادَ بِالتِّينِ دِمَشْقَ، وَبِالزَّيْتُونِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَأَقْسَمَ اللَّهُ بِجَبَلِ
دِمَشْقَ؛ لِأَنَّهُ مَأْوَى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبِجَبَلِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ لِأَنَّهُ مَقَامُ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ، وَبِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ إبْرَاهِيمَ وَدَارُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ -.
[الْآيَة الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ]
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤]: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى خَلْقٌ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ الْإِنْسَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ حَيًّا عَالِمًا، قَادِرًا، مُرِيدًا، مُتَكَلِّمًا، سَمِيعًا، بَصِيرًا، مُدَبِّرًا، حَكِيمًا، وَهَذِهِ صِفَاتُ الرَّبِّ، وَعَنْهَا عَبَّرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَوَقَعَ الْبَيَانُ بِقَوْلِهِ: «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ»، يَعْنِي عَلَى صِفَاتِهِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا.
وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ. وَمِنْ أَيْنَ تَكُونُ لِلرَّجُلِ صِفَةٌ مُشَخَّصَةٌ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعَانِيَ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى الْحَدِيثِ فِي مَوْضِعِهِ بِمَا فِيهِ بَيَانُهُ.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْأَزْدِيُّ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْقَاضِي الْمُحْسِنُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عِيسَى بْنُ مُوسَى الْهَاشِمِيُّ يُحِبُّ زَوْجَهُ حُبًّا شَدِيدًا قَالَ لَهَا يَوْمًا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ تَكُونِي أَحْسَنَ مِنْ الْقَمَرِ، فَنَهَضَتْ وَاحْتَجَبَتْ عَنْهُ، وَقَالَتْ: طَلَّقَنِي. وَبَاتَ بِلَيْلَةٍ عَظِيمَةٍ. وَلَمَّا أَصْبَحَ غَدًا إلَى دَارِ الْمَنْصُورِ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ [وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنْ تَمَّ عَلَيَّ طَلَاقُهَا تَصَلَّفَتْ نَفْسِي غَمًّا، وَكَانَ الْمَوْتُ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ الْحَيَاةِ]؛ وَأَظْهَرَ لِلْمَنْصُورِ جَزَعًا عَظِيمًا، فَاسْتَحْضَرَ الْفُقَهَاءَ، وَاسْتَفْتَاهُمْ، فَقَالَ جَمِيعُ مَنْ حَضَرَ: قَدْ طَلُقَتْ، إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ سَاكِتًا، فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُورُ: مَالَك لَا تَتَكَلَّمُ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين: ١] {وَطُورِ سِينِينَ - وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} [التين: ٢ - ٣] {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤] يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الْإِنْسَانُ أَحْسَنُ الْأَشْيَاءِ، وَلَا شَيْءَ أَحْسَنُ مِنْهُ [فَقَالَ الْمَنْصُورُ لِعِيسَى بْنِ مُوسَى: الْأَمْرُ كَمَا قَالَ؛ فَأَقْبِلْ عَلَى زَوْجِك]، فَأَرْسَلَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ إلَى زَوْجِهِ أَنْ أَطِيعِي زَوْجَك، وَلَا تَعْصِيهِ، فَمَا طَلَّقَك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute