وَلَوْ هُدُوا لِهَذِهِ الْفِرْقَةِ الْأَدَبِيَّةِ التَّارِيخِيَّةِ لَمَا كَانُوا عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ جَائِرِينَ وَبِحَقِيقَتِهِ جَاهِلِينَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاهُمْ بِقِرَاءَةِ كُتُبٍ مِنْ الْأَدَبِ وَالتَّارِيخِ قَدْ تَوَلَّاهَا جُهَّالٌ وَضُلَّالٌ، فَقَالُوا: فَعَلَ عَلِيٌّ.
وَقَالَ عَلِيٌّ، وَلَا يَقَعُ عَلِيٌّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ إلَّا نُقْطَةً مِنْ بَحْرٍ، أَوْ لُقَطَةً فِي قَفْرٍ، لَقَدْ اسْتَقَامَ الدِّينُ وَعَلِيٌّ عَنْهُ فِي حِجْرٍ، وَقَدْ كَانَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدَ رِجَالِهِ، وَفَارِسًا مِنْ فُرْسَانِهِ، وَوَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَقَرِيبًا مِنْ أَقْرِبَائِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِرَسُولِهِ، وَانْفَرَدَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَقُمْ بِالْأَمْرِ وَلَا قَعَدَ، وَذَلِكَ أَمْرٌ قَضَاهُ اللَّهُ بِالْحَقِّ، وَقَدَّرَهُ بِالصِّدْقِ، وَأَنْفَذَهُ بِالْحِكْمَةِ وَالْحُكْمِ، وَمَا وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ أَحَدًا ثَبَتَ عَلَى الدَّيْنِ، وَقَرَّرَ وُلَاتَهُ فِي الْأَقْطَارِ، وَأَنْفَذَ الْجُيُوشَ إلَى الْأَمْصَارِ، وَقَاتَلَ عَلَى الْحَقِّ، وَقُدِّمَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ خَيْرِ الْخَلْقِ الصِّدِّيقُ؛ فَمَهَّدَ الدَّيْنَ، وَاسْتَتَبَّ بِهِ أَمْرُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
[مَسْأَلَة الْعُمْدَةُ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا النَّصْرُ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال: ٤٦] وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ هِيَ الْعُمْدَةُ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا النَّصْرُ، وَيَظْهَرُ بِهَا الْحَقُّ، وَيُسْلِمُ مَعَهَا الْقَلْبُ، وَتَسْتَمِرُّ مَعَهَا عَلَى الِاسْتِقَامَةِ الْجَوَارِحُ؛ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَمَلُ الْمَرْءِ كُلُّهُ بِالطَّاعَةِ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابِ النَّهْيِ، فَإِنَّمَا يُقَاتِلُ الْمُسْلِمُونَ بِأَعْمَالِهِمْ لَا بِأَعْدَادِهِمْ، وَبِاعْتِقَادِهِمْ لَا بِأَمْدَادِهِمْ؛ فَلَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ الْفُتُوحَ عَلَى قَوْمٍ كَانَتْ حِلْيَةُ سُيُوفِهِمْ إلَّا الْغَلَّابِيّ.
وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا تُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ».
إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الطَّاقَةَ فِي الطَّاعَةِ، وَالْمِنَّةَ فِي الْهِدَايَةِ.
[مَسْأَلَة قَوْلُهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال: ٤٦]: وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي الْمَعْقُولِ وَالْمَشْرُوعِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْقُوَّةَ لِيُظْهِرَ بِهَا الْأَفْعَالَ، وَقُدْرَتُهُ سُبْحَانَهُ وَاحِدَةٌ تَعُمُّ الْمَقْدُورَاتِ، وَقُدَرُ الْخَلْقِ حَادِثَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَقْدُورَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا [وَأَجْرَى اللَّهُ] الْعَادَةَ بِأَنَّ الْقُدْرَةَ إذَا كَثُرَتْ عَلَى رَأْيِ قَوْمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute